قال: فبات النّاس يدوكون ليلتهم أيّهم يعطاها، فلمّا أصبح النّاس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّهم يرجو أن يعطاها فقال:«أين عليّ بن أبي طالب» فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال:«فأرسلوا إليه» فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتّى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الرّاية فقال عليّ: يا رسول الله أقاتلهم حتّى يكونوا مثلنا فقال: «انفذ على رسلك حتّى تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حقّ الله فيه، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النّعم»«١» . (رواه البخاري) .
[الشاهد في الحديث:]
أن عليّا رضي الله عنه قد اشتكى عينه، فبصق فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له، فطابت مباشرة، ورجعت كما كانت قبل الوجع، وهي معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم ومن دلائل نبوته، ويبدو أن الوجع كان شديدا، لمعرفة الصحابة أنه يشتكي عينيه، ولو كان أمرا عارضا بسيطا، ما اشتهر وتناقله الصحابة ولما تخلف عليّ عن حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، والذي سيبشر فيه أصحابه بمن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال الراوي:«فقال أين علي بن أبي طالب؟» فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. ولفظ:(أتي به) يدل على الوجع الشديد، ففي الحديث فضل ريق النبي صلى الله عليه وسلم التي تشفي- بإذن الله- من الأمراض، بمجرد أن تصيب مكان الداء، وسبحان من قضى أن يجعل في كل ما يتعلق برسوله صلى الله عليه وسلم البركة، حتى بصاقه، حيث كان من الممكن أن يضع النبي يديه الشريفتين على عينيه فتبرأ، أو يكتفي بالدعاء فتشفى، ولكن الله عز وجل، أراد أن يظهر لنا عظيم قدر نبيه، واعتناءه به، فنوع له المعجزات وجعل كل شيء منه وفيه مباركا، فيزداد الذين آمنوا إيمانا.
[وفي الحديث فوائد:]
[الفائدة الأولى:]
إطلاع الله عز وجل، نبيه صلى الله عليه وسلم ببعض أمور الغيب، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، حيث أعلم أصحابه رضي الله عنهم أنه ستكون مواجهة بين المسلمين واليهود، وستكون الغلبة فيها للمسلمين، قال:«لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه» ، وأقول: إنها من دلائل نبوته؛ لأن المعركة لا يعلم المنتصر فيها والمهزوم، إلا الله سبحانه وتعالى، الذي بيده الأمر كله، والغيب عنده حاضر، فمن أوحى لنبيه بنتيجة الموقعة
(١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب: مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، برقم (٣٧٠١) .