١- غضب الله عليه وانتقامه منه: ورد في رواية مسلم (فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم)«١» . وهو مشعر أن الله لم يمهله كثيرا بعد ما قال، ومشعر أيضا أن ما حدث له بعد موته اعتبره الناس انتقاما من الله الواحد القهار.
٢- عدم قدرة باطن الأرض على تحمله: فمع أن الأرض قد حوت في باطنها الكثير ممن تقوّل على الله ورسوله، إلا أنها لم يسعها أن تضم رفات هذا المرتد لشنيع ما قال في حق النبي صلى الله عليه وسلّم فطرحته الأرض ونبذته من أعماق باطنها ثلاث مرات، ويصف الراوي ما حدث في كل مرة بقوله:(فأصبحت الأرض وقد نبذته على وجهه) ، وهل قصدت الأرض أن تنبذه على وجهه خاصة دون سائر أعضائه لأن الوجه محل تكريم الإنسان فيكون ذلك منتهى الإهانة والمذلة له؟ أم نبذته على الوجه لأن الوجه قد احتوى الجوارح التي كذب بها الرجل على النبي صلى الله عليه وسلّم وهما اللسان والشفتان؟.
٣- من أعظم النكايات التي حدثت للرجل أن أصحابه من أهله وعشيرته قد تخلو عنه في وقت هو أحوج ما يكون إليهم، فعند مسلم (فتركوه منبوذا) .
ويتفرع عليه تصديقنا بما أخبرنا به أصدق القائلين- سبحانه وتعالى-، أن يوم القيامة سيفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، قال- تعالى-: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [عبس: ٣٤- ٣٥] .
[الفائدة الثالثة:]
عجيب قدرة الله- سبحانه وتعالى-؛ إذ جعل في الأرض القدرة على أن تنبذ الرجل وتلفظه، ولا يقف كون القوم قد أعمقوا جدّا حائلا عن امتثال الأرض لأمر الله- سبحانه وتعالى-.
[الفائدة الرابعة:]
قد يعجل الله عزّ وجلّ العذاب لأعدائه في الدنيا على مرأى ومسمع من الناس، وقد يعذب المكذب ولا يطلع على عذابه أحد من الناس، وقد يؤخر الله العذاب إلى ما بعد الحياة الدنيا، ولكن ما نقطع به أن العذاب النفسي واقع بالمكاذبين في الدنيا لقوله- تعالى-: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤)[طه:
١٢٤] . وأن العذاب المادي يبدأ لا محالة مع سكرات الموت ويستمر حتى يستقر المكذبون في نار جهنم- أعاذنا الله منها- وكل هذه الأحوال لعذاب المكاذبين في الدنيا والآخرة موافقة للعدل المطلق والحكمة البالغة.