للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند البخاري عن عبد الله بن الزّبير، عن سفيان بن أبي زهير رضي الله عنه أنّه قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفتح اليمن فيأتي قوم يبسّون فيتحمّلون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشّأم فيأتي قوم يبسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبسّون فيتحمّلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» «١» .

[الشاهد في الحديث:]

قوله صلى الله عليه وسلم: «والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون» ، وقوله: «ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» .

معاني بعض الكلمات: اللأواء: الشدة والجوع، الجهد: المشقة، يبسون: يسوقون دوابهم للرحيل من المدينة. قال النووي: (الصواب أن معناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملا بأهله باسّا في سيره مسرعا إلى الرخاء والأمصار المفتتحة) «٢» .

[بعض فوائد الحديثين:]

[الفائدة الأولى:]

الحث على سكنى المدينة وملازمتها، يتبين ذلك من:

١- قوله صلى الله عليه وسلم: «والمدينة خير» . وكرر هذا الحث في حديث البخاري ثلاث مرات؛ ليتأكد المعنى.

ومواطن الخيرية في الإقامة في المدينة لا تخفى وهي كل ما ذكر في هذا الفصل من الكتاب وغير ذلك، قال ابن حجر رحمه الله: (والحال أن الإقامة في المدينة خير لهم لأنها حرم الرسول وجواره ومهبط الوحي ومنزل البركات) «٣» . وهذه الخيرية- ولله الحمد- دائمة إلى يوم القيامة لم تعدم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك أن الأحاديث التي ذكرت في هذا الفصل لم تقيد خيرية المدينة بزمن دون زمن، نقل النووى عن القاضي عياض قوله: (قيل: هو مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم وقال آخرون: هو عام أبدا، وهذا أصح) «٤» .

٢- ذم من تركها وفضّل عليها غيرها من القرى لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه» .


(١) البخاري، كتاب: الحج، باب: من رغب عن المدينة، برقم (١٨٧٥) .
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٩/ ١٥٩) .
(٣) فتح الباري (٤/ ٩٣) .
(٤) نقله النووي في شرحه على صحيح مسلم (٩/ ١٣٧) من قول القاضي عياض رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>