للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصدقه قبل النبوة. فو الله لا أرى في هذه الدنيا فضيلة أعظم من الصدق، ورذيلة أقبح من الكذب، ووددت لو أني تكلمات عما فعله الكذب في مجتمعات المسلمين، ولكن المقام لا يتسع لأكثر من ذلك.

[الفائدة الثالثة عشرة:]

قد يدفع الإنسان ما يجده في قلبه من كره أو بغض لأحد، إلى الكذب والافتراء على خصمه، ولو كان يستقبح الكذب، وذلك لقول أبي سفيان رضي الله عنه: (وأيم الله لولا أن يأثروا علي الكذب لكذبت) ، ولذلك يجب أن نحرص في الخصومات من الكذب وقول الزور، حتى ولو كان الخصم عدوّا، بل أقول: ولو كان الخصم كافرا، ألم تسمع للقرآن كيف صدق مع خصومه، ولم يكذب عليهم، وذكر خصلة حسنة فيهم، قال تعالى عن أهل الكتاب: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: ٧٥] ، والقنطار هو المال الكثير، فما بالنا نحن إذا خاصمنا فجرنا، ولم نذكر أي حسنة في خصمنا.

[الفائدة الرابعة عشرة:]

كان هرقل على علم بأوصاف خصال الأنبياء السابقين، ولذلك سأل أبا سفيان عن تلك الخصال، ليتأكد من وجودها في النبي، فعلمنا بذلك أن الصفات المشتركة بين الأنبياء هي: أن يكون نسبهم أشرف الأنساب وأفضلها، ويصدّق ذلك الحديث الذي رواه مسلم عن أبي عمّار شدّاد أنّه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» «١» ، وتجد كذلك أن أغلب أتباع الأنبياء من الضعفاء دون الأغنياء. يصدق ذلك قوله تعالى على لسان المكاذبين بنوح عليه الصلاة والسلام: قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء: ١١١] ، وما حكاه الله عن جميع أتباع الأنبياء: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ [سبأ:

٣٤] ، وأن أتباع الرسل دائما في زيادة، يصدق ذلك قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: ٣٣] ، وأن الحرب بين الحق والباطل، لا تكون دائما بنصرة الحق بل جعلها الله سجالا، وهذا ما حدث في غزوة بدر ثم أحد، وإذا سأل سائل لماذا تكون الحرب سجالا بين المؤمنين والكفار، والله يؤيد المؤمنين ويحبهم ويواليهم؟ قلت: حتى يكون للجهاد معنى، ويكون للتضحية وتقديم


(١) فتح الباري (١/ ٤٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>