للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من آذوه وكفروا به، من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.

الفائدة الثّانية:

عظيم شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، وأنه لم ينتقم لنفسه منهم، بل غلب عليه جانب الرحمة، مع أن ملك الجبال قد عرض عليه أمرا واحدا وهو الإهلاك، وإذا تدبرت رد النبي صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» ، رأيت فيه:

١- أدبه الجم مع ملك الجبال، مع أنه دونه في المنزلة حيث إن كل ما قاله له ردّا على عرضه أن يهلك من آذوه: «بل أرجو» ، ولم يقل له: (لا تفعل) ، أو (دعني وشأنهم) ، بل ذكر أدنى حرف يفيد الإضراب عن قوله، وهو «بل» . ثم ذكر له السبب الداعي إلى عدم قبوله مبدأ الإهلاك، وهذا أيضا من الأدب الجم.

٢- أدبه مع الله، خالقه ومولاه، ويتمثل في:

أ- قوله صلى الله عليه وسلم: «أرجو» ، فإذا كان أمر الهداية، بيد الله وحده، فليس للعبد إلا الرجاء.

ب- إعلانه أن خروج الذرية الصالحة، من أصلاب الرجال، إنما هو بأمر الله وتوفيقه حيث ذكر أن فاعل «يخرج» ، هو الله قال صلى الله عليه وسلم «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم» ، فلم ينسب لنفسه شيئا.

٣- كما أنه لم يذكر نفسه أيضا لما ذكر عقيدة من يأمل أن الله سيخرجهم من أصلاب الكفار، فقال «من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا» .

[الفائدة الثالثة:]

عظيم قدرة الله- سبحانه وتعالى- في خلقه، تتمثل في خلق ملك واحد، يوكل إليه أمر الجبال كلها، وهي من أعظم مخلوقات هذا الكون الفسيح، ونعلم منه أيضا، بالغ حكمة الله- عز وجل- في تدبير ملكه الواسع، بأن جعل لكل قسم من أقسام ملكه، ملكا ينفّذ أمر الله في هذا الكون، ليس هذا من باب عجز الله، في القيام بذلك وحده- حاشا لله- بل لإظهار حكمته وقوته وعظمته، فالملائكة لا تفعل شيئا إلا بإذنه وأمره، قال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: ٢٥٥] ، فهو- سبحانه وتعالى- القائم بنفسه على كل ما خلق وذرأ، بما في ذلك ملائكته الكرام الذين وكلوا بأمور عظيمة.

[الفائدة الرابعة:]

جواز أن يقول العبد: (أنا) ، وليس في ذلك حرج، شريطة أن لا يقولها زهوا أو تكبرا، لورود النهي عن ذلك، كما أنه من التكلف أن يقول المسلم: (أنا

<<  <  ج: ص:  >  >>