٤- حرصه صلّى الله عليه وسلّم على هداية الناس، ومباشرة كل عمل من شأنه إيصال هذه الهداية إلى قلوب العباد، وذلك أنه أعاد كلامه ثلاث مرات؛ بناء على طلب الصحابي ضماد، مع ملاحظة أن ضمادا لم يطلب من النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا الإعادة مرة واحدة، فزاد النبي صلّى الله عليه وسلّم في عدد المرات، رجاء أن تصل هذه الكلمات إلى عقله وقلبه، وهو الرجل إلى جاء ليرقيه من الجنون، فأي رحمة وشفقة بالأمة أعظم من ذلك، ومع مسلك لا يخلو من التواضع الجم، لم يقل له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: قد قلت ما سمعت وإن واحدة لتكفي، خاصة أنه كان صلّى الله عليه وسلّم أفصح الناس لسانا، وأبلغهم بيانا.
[الفائدة الثانية: في الصحابي ضماد رضي الله عنه:]
١- علمه بالله، وما ينبغي إثباته لله عزّ وجلّ قبل إسلامه، حيث ذكر لنفسه أنه يرقى، وأثبت لله- سبحانه وتعالى- أنه هو الشافي، فعلم أنه سبب ليس له من أمر الشفاء شيء، وأن مسبب الأسباب هو الله، قال ضماد:«لعل الله يشفيه على يديّ» ، كما أن من بالغ أدبه، أنه علق الشفاء بمشيئة الله، فمع الأخذ بأسباب الشفاء، يبقى الأمر موكولا إلى الله عزّ وجلّ، يشفي من يشاء، ويرجئ شفاء من يشاء، قال ضماد:«وإن الله يشفي على يديّ من شاء» وهذا الأدب مع الله من قبل رجل لم يسلم بعد، قد افتقده كثير من المسلمين في وقتنا هذا.
٢- أدبه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث إنه لم يضف إليه أي كلمة، مما تكلم به سفهاء مكة في حق النبي صلّى الله عليه وسلّم، كل ما قاله: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح» ، ويقصد بالريح، الجنون، فلم يلفظ بلفظ الجنون، وهو اللفظ الذي سمعه من سفهاء مكة، كما أنه لم يعد على سمعه ما قالوه حتى لا يؤذيه، كما أن من أدبه أنه قال آخر مقالته للنبي صلّى الله عليه وسلّم:«فهل لك» بأسلوب عرض وإغراء، لا بأسلوب أمر أو استخفاف.
٣- رجاحة عقله، وذلك أنه استعرض في ذهنه في وقت قصير، قول الكهنة، والسحرة، والشعراء، وقارنه بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم، فتيقن أنه رسول من عند الله، فسبحان الله، دخل ضماد على النبي صلّى الله عليه وسلّم يرقيه مما اتهمه به سفهاء مكة، فخرج من المجلس وقد أسلم وتشرف ببيعة النبي صلّى الله عليه وسلّم وصافحت يده يد أحب الخلق إلى الله، فانظروا من شفى من؟، ومن الطبيب ومن المطبوب؟
وأظن أن نعمة الله قد شملت ضمادا، ببركة أدبه مع الله ورسوله بعكس من تعرض