- الأول: أنه أثبت لنفسه صفة العبودية، قبل مقام الرسالة، ليعلم الخلق أجمعين بعظيم صفة العبودية لله عزّ وجلّ، وأنها مقدمة على مقام الرسالة، وإذا كانت صفة الرسالة لم تتحقق إلا لبعض البشر فإن تحقيق صفة العبودية لله، متاح للبشر أجمعين، يتنافسون فيها.
كما نلمح من تقديم العبودية، إقرار النبي صلّى الله عليه وسلّم، أن الله قد امتن عليه بالرسالة، لأنه حقق كمال العبودية، وأنه مهما بلغ من الدرجات العاليات في الدنيا والآخرة، ومهما تحقق على يديه من المعجزات الباهرات، فإنه لن يخرج من مقام العبودية لله- سبحانه وتعالى ولن ينازع الله- سبحانه وتعالى- في أمر من أموره، وانظر كيف أثبت لله الحمد والثناء والاستعانة والهداية والإضلال، وفي المقابل أثبت لنفسه أنه عبد الله ورسوله وكم تحمل لفظة العبد، من الذل والخضوع والاستكانة والافتقار، للمعبود- تبارك وتعالى.
الثاني: أنه انسلخ من نفسه، فلم يأت بالشهادة بصيغة المتكلم بأن قال:«وأني عبده ورسوله» وذلك لأمرين:
أولهما: ألايرى نفسه ولا يذكرها، بعد ذكره للخالق الباري المنعم عليه بكل فضل، وهذا نهاية الأدب والتواضع.
ثانيهما: الإشعار بأنه ينطق بالشهادة امتثالا لأمر الله- سبحانه وتعالى-، فكأنه يتكلم عن آخر، ولا يتكلم عن نفسه، وكأنه مأمور كبقية العباد، أن يشهد أن محمدا عبده ورسوله، وهذا نهاية الطاعة والامتثال.
هـ- إثبات وحدانية الله- سبحانه وتعالى- وأنه لا معبود بحق إلا هو، وأنه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في حكمه، حيث إن قوله:«لا شريك له» نفي لكل أنواع الشركاء، كما أن قوله:«لا إله إلا الله» نفي لكل أنواع الآلهة وإثبات لألوهية الله وحده، وتوسط لفظ «وحده» لتوكيد عدم وجود الآلهة، أو الشركاء، سبحان الذي تفرد بالخلق كله، والأمر كله، والحكم كله، فلا نعبد إلا إياه، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نثق إلا به، ولا نتوجه إلا إليه. وقد جاءت كلمة التوحيد في الحديث، كالدليل على كل ما أثبته النبي صلّى الله عليه وسلّم، لله عزّ وجلّ، وليعلمنا أن الحمد والاستعانة والهداية لا تكون إلا لله الذي لا إله إلا هو، فمن أثبت لله هذه الأمور، فقد جاء توحيده كاملا لا نقص فيه، مستقيما لا عوج فيه، ومن باب مفهوم المخالفة، أن من أتى بما يناقض الحمد والثناء أو الاستعانة بالله وحده، أو أثبت التصرف في ملك الله لأحد سوى الله، فقد ناقض كلمة التوحيد.