للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمختار القطع بصحة توبته في هذا وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة وهي الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها والعزم على ألا يعود إليها فهذا هو الجاري على قواعد الشرع) «١» .

[وأقول:]

لا خلاف عند علماء المسلمين أن التوبة النصوح لمن كذب على النبي صلى الله عليه وسلّم مقبولة إن شاء الله- تعالى- وترفع عنه الإثم في الدنيا والآخرة، ولكن الخلاف في قبول روايته مرة أخرى، فقد تقبل التوبة مع بقاء رد الرواية وهذا ليس بغريب في الشرع، فإن قاذف المحصنة لا خلاف في قبول توبته، ولكن اختلف العلماء في قبول شهادته بعد التوبة، فقد أورد ابن كثير- رحمه الله- تعالى- في تفسير قوله- تعالى-: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) [النور: ٤] . الخلاف في قبول شهادة القاذف بعد التوبة، وقال ما نصه: (إنما يعود الاستثناء على الجملة الأخيرة فقط، فيرتفع الفسق بالتوبة، ويبقى مردود الشهادة. ذكره شريح «٢» ، وإبراهيم النخعي «٣» ، وسعيد بن جبير «٤» ، ومكحول «٥» وعبد الرحمن بن زيد بن جابر «٦» ) «٧» .

[الخلاصة:]

سواء قبلت رواية من كذب على النبي صلى الله عليه وسلّم أم لم تقبل، فإن الذي يهمني هنا أن أبينه للقارئ عظيم أمر الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلّم عند الله عزّ وجلّ وكذا عند علماء الأمة الأجلاء، ليتنبه المسلم ويتروى قبل أن ينسب أي قول أو فعل أو تقرير إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وعليه أن يشعر عند رواية حديث الرسول صلى الله عليه وسلّم أنه يمشي على صراط أحدّ من السيف وأدق من الشعر وليس تحته إلا النار- أعاذنا الله منها- إن هو كذب.


(١) انظر المصدر السابق.
(٢) هو شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي، أبو أمية: من أشهر القضاة الفقهاء في صدر الإسلام، أصله من اليمن، ولي قضاء الكوفة، في زمن عمر وعثمان وعلى ومعاوية، مات بالكوفة، عام (٧٨ هـ) .
(٣) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود، أبو عمران النخعي، من مذحج: من أكابر التابعين صلاحا وصدق رواية وحفظا للحديث. من أهل الكوفة. كان إماما مجتهدا له مذهب، مات عام (٩٦ هـ) .
(٤) هو سعيد بن جبير الأسدي، بالولاء، الكوفي، أبو عبد الله: تابعي، كان أعلمهم على الإطلاق. وهو حبشي الأصل. قتله الحجاج بواسط، عام (٩٥ هـ) . انظر الأعلام للزركلي (٣/ ٩٣) .
(٥) هو مكحول بن أبي مسلم شهراب بن شاذل، أبو عبد الله، فقيه الشام في عصره، من حفاظ الحديث. أصله من فارس، ومولده بكابل طاف كثيرا من البلدان طالبا للحديث، توفي عام (١١٢ هـ) .
(٦) هو عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي القرشي: كان من أتم الرجال خلقة. روى الحديث عن أبيه وغيره. ولا يزيد بن معاوية مكة سنة (٦٣ هـ) ، وتوفي عام (٦٥ هـ) .
(٧) انظر «تفسير القران العظيم» (٣/ ٢٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>