للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالأسباب، مع دعائه، وألا يركن للدعاء ويترك الأسباب، لمنافاته لعمل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان النبي يستطبّ ويرقي نفسه، وكان يقاتل المشركين في بدر، ويبتهل بالدعاء، واعلم- يا من تريد التفريط في الأخذ بالأسباب- أن لله في خلقه سننا ما نقضها لأحب الخلق إليه، ولن ينقضها لمن هو دونه من باب أولى، ومن سنن الله في هذا الكون الأخذ بالأسباب، فإذا عجز العبد عن ذلك، فعليه بالدعاء، والله يعذره، لقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: ٢٨٦] ، وقد بينت ذلك في مواضع أخرى من هذا الكتاب.

[الفائدة الخامسة:]

عظيم اعتناء المولى سبحانه وتعالى بنبيه، ومن ذلك استجابة دعائه قبل الانتهاء منه، علمناه من قول أنس: (فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال) «١» .

فقبل الدعاء كانت السماء صافية كالزجاجة ليس فيها أي شيء من علامات المطر لا فوق المسجد، ولا فوق جبل سلع، قال أنس: (والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار) ، وأثناء الدعاء ظهرت سحابة صغيرة، ورد في رواية أنها مثل رجل الطائر، فانتشرت وأصبحت مثل الجبال، وقبل أن ينزل من المنبر كان المطر المبارك الذي رآه الصحابة يتقطر من لحيته صلى الله عليه وسلم، وتكررت استجابة دعاء الرسول أثناء الدعاء في الجمعة التالية، فقط رفع يديه إلى السماء يدعو بأن يكون المطر حول المدينة، فأمسك الله المطر في وقته، وتمزق السحاب، وطلعت الشمس بعد أن غابت جمعة كاملة لا يراها أحد فوق المدينة، بل الأعظم من ذلك، أنه كان يشير إلى كل ناحية من نواحي السحاب، فيتحول بإشارته صلى الله عليه وسلم، ورد عند البخاري (فما يشير بيده إلى ناحية من نواحي السحاب إلا انفرجت) ، وفي رواية عند مسلم: (ولقد رأيت السحاب يتمزق كأنه الملاءة حين تطوى) «٢» .

قال ابن حجر- رحمه الله-: فانظر كيف امتثل السحاب أمره بمجرد الإشارة «٣» ، انتهى.

وأظن أن السحاب كان مأمورا بطاعته، كما أمر الله ملك الجبال أن يمتثل أمره، فعند البخاري من حديث عائشة: «فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها


(١) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب: الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة، برقم (٩٣٣) .
(٢) رواه مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء، برقم (٨٩٧) .
(٣) انظر فتح الباري (٢/ ٥٠٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>