- الأدب في الدعاء وعدم ذكر ما يفيد التضجر من قضاء الله وقدره، فزكريا عليه السلام، قد بلغ منه الضعف ما ذكرت، وليس عنده ذرية، وامرأته عاقر، ومع ذلك لم يذكر في الدعاء ما يفيد عدم الرضا بقضاء الله وقدره، بل أقر بين يدي ربه أن دعاءه قد رفع عنه الشقاء.
إظهار المصلحة في إجابة الدعاء، أو المفسدة الحاصلة من عدم الإجابة، قال تعالى على لسان زكريا: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي [مريم: ٥] . وقال: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [مريم: ٦] .
عدم استعظام أي دعاء على قدرة الله تبارك وتعالى، حيث دعا زكريا بالولد، مع انقطاع كل الأسباب، وكأن قوله في الدعاء: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم: ٥] هو اعتراف بانقطاع كل الأسباب، وأن الولد سيكون هبة خالصة من الله.
دعاء المضطر أرجى في الإجابة، خاصة إذا كان في أمور الدنيا، فزكريا ما دعا بالولد إلا بعد كبر سنه وخوفه على ضياع الدين من بعده، وقد يكون هذا من أدب الأنبياء في الدعاء، أنهم ما يدعون إلا مضطرين، وبما يرفع الحرج عنهم، انظر إلى دعوة موسى عليه السلام لما أرسل إلى فرعون: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي [طه: ٢٧] ، فما طلب فك كل عقد لسانه بل طلب واحدة، يحصل معها أن يفقه المرسل إليهم قوله، وما دعا قبل الرسالة، إنما دعا بعد الإرسال مضطرا. قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ [النمل: ٦٢] .
وانظر أخي القارئ، إنه عندما استوفى الدعاء غاية الكمال، كيف تحقق به غاية المنال؟! ٨- أن يتوسل إلى الله في الدعاء بأسمائه وصفاته التي تناسب الدعاء، قال تعالى على لسان زكريا: قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ [آل عمران: ٣٨] ، وتوسل سليمان فقال: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص: ٣٥] ودعا إبراهيم متوسلا ربه بصفتين من صفاته فقال: وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة: ١٢٨] ، وكان النبي يتوسل إلى الله بأنه هو الشافي المعافي روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يعوّذ بعضهم يمسحه بيمينه «أذهب الباس ربّ النّاس، واشف أنت الشّافي، لا شفاء إلّا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما»«١» .
٩- أختم آداب الدعاء، بأدب عظيم، وهو أن على المسلم أن يبذل وسعه في الأخذ