٧- على الداعي أن يظهر في الدعاء شدة الافتقار إلى الله عز وجل، وأن يظهر ما هو فيه من الحاجة، قال تعالى في معرض الثناء على دعاء زكريا: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم: ٣- ٤] ففي الآية بعض آداب الدعاء التي يجب التأدب بها مثل:
التيقن أن الذي تدعوه هو ربك، الذي خلقك ورزقك ورباك على نعمائه وآلائه، وأن تثبت له كل ما يتعلق بصفات الرب تبارك وتعالى، من الخوف والرجاء والتوكل وحسن الظن والطمع فيما عنده، وأنه الغني عن السؤال وأنت الفقير إلى الجواب، وأنه سميع عليم مجيب، وبغير التيقّن من ذلك أثناء الدعاء، فلا يرجى للدعوة الإجابة، علمنا ذلك من قوله تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ
[مريم: ٣] فلولا أن زكريا قد استشعر أن الذي يناديه ويدعوه هو الرب تبارك وتعالى، وأنه تيقن في نفسه كل ما ينبغي للرب، ما زكاه الله بأنه كان يدعو ربه؛ لأن الدعوة إذا كانت باللسان دون القلب لا يعول عليها.
الإخلاص لله في الدعاء، وألا ترى غيره إلها نافعا ضارّا لأنه لا يملك من الأمر شيئا، فزكريا عليه السلام إنما نادى ربه، وأخلص في ذلك، ولو أنه كان يرجو أحدا مع الله، ما قال الله تبارك وتعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ.
إخفاء الدعاء، فإن السر يعين على تحقيق الإخلاص في الدعاء، والبعد عن المراآة والسمعة، قال تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا.
إظهار شدة الافتقار إلى الله عز وجل، وما يوجد في الداعي من علامات الضعف الخفية والجليلة، قال تعالى: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً، ووهن العظم هو من علامات الضعف الخفية، واشتعال الرأس بالشيب من العلامات الجلية، فلم يترك سببا لإظهار افتقاره إلا بذكره، حتى ضعف زوجته، فقال: وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً [مريم: ٥] .
التوسل إليه سبحانه وتعالى أثناء الدعاء بصفاته وسابق إنعامه وفضله، حيث بدأ زكريا دعاءه بذكر صفة الربوبية التي بها ينعم الرب على عباده، قال تعالى: قالَ رَبِّ، ثم توسل إليه بقوله: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم: ٤] فهذا توسل بإقراره أن الله قد سمع كل دعواه السابقة، وأنه بفضله ورحمته استجاب لها كلها، وكان من فضل الاستجابة أنها رفعت عن زكريا كل أسباب الشقاء، وهذا كله كان استدرارا من زكريا لرحمات الله المتتابعة.