للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

بيان مدى اتساع علم الله- تبارك وتعالى- الذي أحاط بكل شيء، خفيا كان أو جليا، ظاهرا كان أو باطنا، بالليل كان أو بالنهار، ودليله من الآية أن الله- سبحانه وتعالى- قد رأى من عبده محمد صلّى الله عليه وسلّم أنه لم يلتفت يسارا ولا يمينا طيلة رحلته المباركة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى السماء السابعة مرورا بالفضاء الخارجي وبقية السماوات إلى سدرة المنتهى ولم يخف عليه- سبحانه وتعالى- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يلتف يمنة أو يسرة، ولو بطرف بصره.

[الفائدة الثانية:]

إرشاد الأمة أن للبصر خلقا يجب التخلق به، وأن له حدودا يجب أن لا يتعداها، وكذا للسمع والفؤاد، قال تعالى: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا [الإسراء: ٣٦] .

الفائدة الثّالثة:

سوء أدب من يلتفت يمينا ويسارا، في طريقه إلى الله- سبحانه وتعالى- ومظاهر ذلك الالتفات وعلاماته كثيرة، فهذا يطلب الكرامات التي لم يعد الله أن يجريها على يد كل مسلم ويتطلع إليها ويجد شكا في قلبه إذا لم يرها، ولم يكفه أعظم الكرامات، وهي أن الله جعله مسلما وهداه للإيمان والقيام بالأركان، وآخر يريد معرفة الحكم والعلل لكل حكم من أحكام الشرع الحنيف، ولم يكتف بما وضحه الله- عز وجل- وبينه من علل بعض الأحكام، وثالث يطلب الهداية من مناهج أخرى مع الكتاب والسنة أو بدونهما.

٥- تزكية خلقه صلّى الله عليه وسلّم:

قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: ٤] .

أكتفي هنا بذكر ما قاله الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير تلك الآية الكريمة التي زكّت خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم تزكية عظيمة، ليس قبلها ولا بعدها تزكية، إذ قال رحمه الله ما نصه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ أي: عليا به، مستعليا بخلقك الذي منّ الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين [عائشة رضي الله عنها] لمن سألها عنه، فقالت: (كان خلقه القرآن) . وذلك نحو قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الأعراف: ١١٩] ، وقوله تعالى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: ١٥٩] ، لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٨) [التوبة: ١٢٨] . وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على اتصافه صلّى الله عليه وسلّم بمكارم الأخلاق، والآيات

<<  <  ج: ص:  >  >>