أما عن علمه رضي الله عنه فإنه ما حرص هذا الحرص الشديد على مجاورة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا بعلمه بمدى البركة التي ستناله من هذا الجوار المبارك، وهذا، والحمد لله، مشاهد لكل أحد.
كما تبدو حكمة عمر رضي الله عنه أنه لما أراد أن يستأذن عائشة رضي الله عنها قال لابنه:(ثم سلها أن أدفن مع صاحبيّ) ، فأراد بأسلوب فيه الأدب واللطف، أن يبرر لها طلبه، ويستحثها على الموافقة، بأن يذكرها بمكانته من النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال:(صاحبيّ) فلما كان له شرف مصاحبتهما الشديدة في الدنيا، رأى أنه له الحق في مثل هذا الشرف بعد الموت، ولو قال لها: أريد أن أدفن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لاستوى هو وغيره من عموم المسلمين، الذين لهم جميعا الحق في هذا الطلب، لكونه صلّى الله عليه وسلّم رسولا إليهم جميعا، ولكن من يسامي الصديق والفاروق في شرف الصحبة الخاصة؟ ... لا أحد.
[الفائدة الثانية:]
في مناقب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ويتبين ذلك من:
١- إرادتها أن تدفن بجواز النبي صلّى الله عليه وسلّم وما قلته عن عمر رضي الله عنه في هذه المسألة، ينطبق هنا أيضا، فلا داعي للإعادة، قالت أم المؤمنين:(كنت أريده لنفسي) .
٢- إيثارها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المضجع الذي كانت تتمناه لنفسها، قالت:
(فلأوثرنه اليوم على نفسي) ، مع أن أحدا لا ينكر أحقيتها بهذا المكان، حيث إنه بيتها، والمدفون فيه زوجها صلّى الله عليه وسلّم الذي كان لا يحب أحدا مثلها، ثم أبوها، الصديق رضي الله عنه وأعتقد أنها آثرت عمر رضي الله عنه اعترافا بفضله وحسن صحبته للرسول صلّى الله عليه وسلّم فكأن هذا رد منها للجميل.
[الفائدة الثالثة:]
بل هي الفائدة الأولى في الأهمية، وهي أن عظيم بركة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، كعظيم بركته وهو حي صلّى الله عليه وسلّم سواء بسواء فالمكان الذي يضم جسد النبي صلّى الله عليه وسلّم قطعا لا يستوي مع غيره من الأمكنة، وإلا ما حرص عمر رضي الله عنه أن يدفن في هذا المكان، ويكون ذلك هو كل شغله الشاغل، وكذا عائشة رضي الله عنها، ولا يخفى على أحد ما للاثنين من علم وفقه واتباع للسنة، فاق الجميع، ويتفرع على ذلك مسألتان:
المسألة الأولى: ما خص الله سبحانه وتعالى به أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما من فضل، إذ لم يكن لأحد من هذه الأمة شرف جوار الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد موته إلا لهما، فسبحان الله الذي جعل الجزاء من جنس العمل، وهذا واضح في هذا الأمر وضوح الشمس في رابعة النهار، وصدق الله الذي قال: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠) ، وما أجمل عطاء الله الجواد الكريم، الذي يكافئ على القليل بالكثير، فالعبد إذا قام بعبادة الله. سبحانه وتعالى. طوال