ب- في مقابل ذكره، عائشة رضي الله عنها، بصفتها، لم يذكر صفته هو، أنه أمير المؤمنين، بل ورد في إحدى الروايات عند البخاري:(وقل يقرأ عمر عليك السلام ولا تقل أمير المؤمنين)«١» وهذا لسببين؛ الأول: من باب التواضع مع زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم واستشعارا لقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ، مع أن عائشة رضي الله عنها لم تتعد الخامسة والثلاثين من عمرها، وهو قد تعدى الستين، وهو الخليقة الراشد، وثاني أفضل الصحابة بعد الصديق، رضي الله عنهم، والثاني: أنه أرسل يطلب من أم المؤمنين رضي الله عنها شيئا من خالص حقها، فمن الأدب أن يشعرها، أنه لا يطلب منها بصفته أميرا للمؤمنين، فقد يسبب ذلك حرجا لها، لأن طاعة ولي الأمر واجبة، بل هي من طاعة الله ورسوله، وإن صح الاستنباط، فيكون ذلك من عمر رضي الله عنه في منتهى الأدب وغايته، مع غاية النصح لله ورسوله، في تولي خلافة المسلمين، حيث لم يرد أن يكسب بخلافته شيئا لصالحه. فمن يتعلم؟.
حتى لما علم رضي الله عنه بموافقة عائشة رضي الله عنها على أن يدفن في المكان الذي يحبه، أمر ابنه عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن يستأذن أم المؤمنين، مرة أخرى قبل دفنه مباشرة، عسى أن تكون استحيت منه في حياته، قال:(فإذا قبضت فاحملوني ثم سلموا ثم قل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فادفنوني وإلا فردوني) ، ويؤخذ منه، أنه لا ينبغي لأحد أن يأخذ شيئا من أخيه المسلم بسيف الحياء، فقد أعطى عمر رضي الله عنه الفرصة لأم المؤمنين، أن تتحلل من وعدها إذا أرادت.
ج- إقراره، رضي الله عنه بفضل عائشة رضي الله عنها وأنها الأحق بجوار النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنه مات وهو عنها راض، قال:(إني لا أعلم أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو عنهم راض) .
٢- عظيم حب عمر رضي الله عنه للرسول صلّى الله عليه وسلّم مع غزير علمه، حيث ذكر أنه ما كان شيء في الدنيا يهمه ويفكر فيه أعظم من مجاورته النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد موته، قال:(ما كان شيء أهم إليّ من ذلك المضجع) ، وانظر إلى حرصه إلى هذا الجوار، أنه بادر ابنه السؤال لدى عودته من عند عائشة رضي الله عنها وما استطاع الانتظار حتى يعرض عليه ابنه الإجابة، يقول:(فلما أقبل قال له: ما لديك) ، وهذا يدل على أن هذا الأمر كان يشغله جدّا، وكان يخاف أن تأتي الإجابة بما لا يحب.
(١) البخاري مطولا، كتاب: المناقب، باب: قصة البيعة والاتفاق على عثمان بن عفان، برقم (٣٧٠٠) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.