على كل شيء من أولاد وأحباء وأخوة وحتى النفس التي بين أضلعنا، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ومنها:
[الحديث الأول:]
عن سهل بن سعد السّاعديّ رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصّلاة، فجاء المؤذّن إلى أبي بكر فقال: أتصلّي للنّاس فأقيم قال: نعم فصلّى أبو بكر فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والنّاس في الصّلاة فتخلّص حتّى وقف في الصّفّ، فصفّق النّاس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلمّا أكثر النّاس التّصفيق التفت، فرأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من ذلك، ثمّ استأخر أبو بكر حتّى استوى في الصّفّ، وتقدّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فصلّى فلمّا انصرف قال:«يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟» . فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلّي بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«ما لي رأيتكم أكثرتم التّصفيق، من رابه شيء في صلاته فليسبّح، فإنّه إذا سبّح التفت إليه، وإنّما التّصفيق للنّساء»«١» .
[الشاهد في الحديث:]
أن أبا بكر رضي الله عنه أبي أن يصلي بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم أبى أن يكون إماما والرسول صلّى الله عليه وسلّم مأموما.
[بعض فوائد الحديث:]
[الفائدة الأولى:]
تواضع النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويتضح ذلك من:
١- ذهابه بنفسه إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، وكان في مقدوره أن يرسل أحدا، أو أكثر ليقوم بهذه المهمة بأمره واسمه.
٢- رضاه أن يصلي مأموما، وهو نبي هذه الأمة وقائدها، خلف أبي بكر رضي الله عنه؛ بل إنه أمره أن يثبت مكانه.
[الفائدة الثانية:]
على الإمام أو من ينوب مكانه في الولايات، أن يحرصوا على أن يصلحوا بين الناس وكذا بين القبائل، ويبذلوا في ذلك غاية جهدهم، امتثالا لقول الله- سبحانه-: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [الحجرات: ٩] ، واتباعا لسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم، لما ذهب إلى بني عمرو بن عوف للإصلاح، وعليه يتبين خطأ من يعتقد أن وجود الخلافات بين الناس والقبائل يعضد ملكه ويقوي أركانه.
(١) البخاري، كتاب: الأذان، باب: من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول، برقم (٦٨٤) .