أ- أتوا بلفظ الشهادة التي هي أعظم ما يتكلم به الإنسان، فلم يقولوا:«نعلم إنك لرسول الله» . فكذبهم في شهادتهم- من حيث مخالفتها لما في قلوبهم- أشدّ قبحا.
ب- أتوا بتوكيد شهادتهم بمؤكدين هما: حرف التوكيد «إن» ، وباللام الموطئة للقسم في لَرَسُولُ اللَّهِ.
ج- اجتراؤهم على الله- سبحانه وتعالى-، حيث إن أمرهم مع الرسول صلى الله عليه وسلّم لا يخرج من حالين: إما أنهم يعلمون أنه رسول الله حقّا ولكنهم كذبوه، وإما أنهم ينكرون أنه رسول الله ومع ذلك شهدوا زورا وبهتانا- حسب اعتقادهم- أنه رسول الله، وفي كلتا الحالين هو اجتراء على الله- جل في علاه-، يستحق فاعله العذاب والنكال في الدنيا والآخرة.
٣- صيغة رد القرآن عليهم، حيث رد الله عليهم بقوله تعالى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ وفيها أسوأ التقبيح لصنيعهم من حيث:
أ- شهادة الله العظيم عليهم، وكفى بها شهادة، والله لا يفلح أحد شهد الله عليه بسوء اعتقاده، ولو استشهدت الآية على كذب المنافقين بأحد دون الله- سبحانه وتعالى- لكان الأمر أهون من ذلك بكثير، لأن الذي شهد على المنافقين هو أصدق الشاهدين، وهو الذي يملك نواصي المشهود عليهم وإليه مالهم وعليه حسابهم.
ب- توكيد شهادة الله- سبحانه وتعالى- بأداة التوكيد «إن» واللام الموطئة للقسم، في قوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ.
ج- وصفهم بأقبح الصفات وهي الكذب.
وهذا الكذب ينسحب على أمرين في المنافقين: الأمر الأول: شهادتهم الزور التي تخالف ما يعتقدونه، الأمر الثاني: اعتقادهم الفاسد كذب النبيّ صلى الله عليه وسلّم، ومن الجميل أن يعود لفظ لَكاذِبُونَ على الأمرين معا.
[الفائدة الثالثة:]
إعجاز القرآن الكريم، ويتضح إعجازه في هذه الآية الكريمة من جهتين:
[الجهة الأولى:]
الإعجاز اللفظي البلاغي، حيث استل النبي صلى الله عليه وسلّم مما ظاهره تكذيبه، كما قابل شهادة المنافقين بشهادة الله- سبحانه وتعالى- بنفس النظم دون أي تكلف في إثبات الجملة المعترضة، أو شعور القارئ بأي ملل من تكرار نظم الشهادتين بل القارئ لا يكاد