للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الأحاديث النبوية بما يعارضها أو يخصمها أو حتى يضيف عليها، وهذا خطره عظيم من حيث عدم إكبار الناس لسنة النبي صلّى الله عليه وسلّم أو اعتقادهم أنه يسعهم أن يقدموا بين يدي الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، أو أن السنة لا تكفيهم وعليهم أن ينظروا في كلام الحكماء وكتب السابقين.

وأعتقد أن عمران بن حصين رضي الله عنه لم يكن ليغضب مثل هذا الغضب لو أن التابعي ألقى عليه ما وقع عنده من إشكال في فهم الحديث على هيئة سؤال دون ذكر ما قرأه في الكتب أو سمعه من الحكم.

٣- ظن الصحابي عمران بن حصين رضي الله عنه من مجرد معارضة التابعي لكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم بكلام آخر أن به شيئا يطعن في دينه، لذلك رد عليه الحاضرون بكلام يهدّئه ويذهب عنه ظنونه بالتابعي، فقالوا له: (إنه منا يا أبا نجيد إنه لا بأس به) . أي: ليس هو ممن يتّهم بنفاق أو زندقة أو بدعة أو غيرها مما يخالف به أهل الاستقامة، ذكره الإمام النووي- رحمه الله-.

[الفائدة الثانية:]

بيان الاعتقاد الجازم للصحابة رضي الله عنهم أن السنة تكفيهم وأنها كلها حق، وأنها قد سلمت من كل نقص وتنزهت عن كل خلل، ودليل ذلك من الحديث هذا الغضب والإنكار الذي صدر من عمران بن حصين رضي الله عنه.

[الفائدة الثالثة:]

بيان ما نحن عليه من تفريط وسوء أدب وتهاون شديد في سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم فمنا من يجادل فيها، إما حبّا للجدل أو رغبة في إظهار علمه، أو محاولة لتعجيز خصمه، ومنا من يعتقد أنه يسعه الخروج عنها أو أخذ ما يعجبه منها ورد ما لا يعجبه، ومنا من يأتي في كلامه ومقالاته وكتبه بأقوال لفلاسفة ومفكرين تناقض صريح السنة، أو حتى توافقها ولكن لا يقدم تلك السنة على قول المفكرين، وهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم عرفوا قدر الوحي وأنزلوه منزلته التي أراد الله عزّ وجلّ ووقر في قلوبهم تعظيمه وحبه، وما كانوا ليستبدلوا به شيئا، بل ما كانوا ليذكروا معه شيئا؛ إجلالا له، بل كانوا يرون أن التعقيب على قول النبي صلّى الله عليه وسلّم ببالغ الأدب (كما فعل بشير) هو المنتهى في سوء الأدب. كما ظهر في غضب عمران بن حصين رضي الله عنه.

٦- حب الصحابة له صلّى الله عليه وسلّم أكثر من حبهم لأنفسهم

عن زهرة بن معبد عن جدّه قال: كنّا مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بيد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: والله لأنت يا رسول الله أحبّ إليّ من كلّ شيء إلّا نفسي. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

«لا يؤمن أحدكم حتّى أكون عنده أحبّ إليه من نفسه» . قال عمر: فلأنت الآن والله أحبّ إليّ من نفسي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الآن يا عمر» «١» .


(١) البخاري، كتاب: الأيمان والنذور، باب: كيف كانت يمين النبي صلّى الله عليه وسلّم، برقم (٦٦٣٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>