للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخالطه شك ولا يساوره ارتياب، والدليل على ذلك أن المؤمن يقول: (أشهد) . والشهادة لا تكون إلا عن يقين، والمنافق يقول: (كنت أقول ما يقول الناس) . فمع أن المنافق كان يقول الشهادتين إلا أنها لن تنفعه يوم القيامة لعدم وجود اليقين.

وقد بينت في باب: (يسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يسمعه أحد) فوائد عن القبر وسؤاله وعذابه مما يغني عن إعادته هنا.

٧- نفي إيمان من لا يحكّم سنته صلى الله عليه وسلم:

قال- تعالى.: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: ٦٥] .

[أولا: سبب نزول الآية:]

عن عروة بن الزّبير: أنّ الزّبير صلى الله عليه وسلم كان يحدّث أنّه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج «١» من الحرّة كانا يسقيان به كلاهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزّبير: «اسق يا زبير ثمّ أرسل إلى جارك» . فغضب الأنصاريّ فقال: يا رسول الله آن كان ابن عمّتك؟! فتلوّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ قال: «اسق ثمّ احبس حتّى يبلغ الجدر» .

فاستوعى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ حقّه للزّبير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أشار على الزّبير برأي سعة له وللأنصاريّ، فلمّا أحفظ الأنصاريّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استوعى للزّبير حقّه في صريح الحكم، قال عروة: قال الزّبير: والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلّا في ذلك فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) «٢» .

[ثانيا: أقوال أهل العلم في شرح الحديث:]

ذكر الإمام القرطبي- رحمه الله- شرحا مبسطا للحديث فقال ما نصه: (سلك النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير وخصمه مسلك الصلح فقال: «اسق يا زبير» ؛ لقربه من الماء، «ثم أرسل الماء إلى جارك» ، أي: تساهل في حقك ولا تستوفه وعجّل في إرسال الماء إلى جارك فحضه على المسامحة والتيسير، فلما سمع الأنصاري هذا لم يرض بذلك وغضب؛ لأنه كان يريد ألا يمسك الماء أصلا، وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الفاقرة فقال: آن كان ابن


(١) الشراج: أي مسيل الماء.
(٢) البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، برقم (٤٥٨٥) ، وأخرجه في كتاب: المساقاة، باب: شرب الأعلى إلى الكعبين، برقم (٢٣٦٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>