للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتتعلم أمته هذا الهدي النبوي، قال أبو هريرة: (فحمد الله وأثنى عليه) .

[الفائدة الثانية: مناقب أبي هريرة:]

١- استعفافه:

حيث إنه لم يسأل الناس رغم شدة جوعه، حتى ظن من يمر به أن به صرعا أو جنونا، ومع ذلك استعفف ولم يسأل، والله قد رباهم على ذلك، حيث مدح في كتابه العزيز هذه الطائفة، فقال: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة: ٢٧٣] ، كما رباهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقد روى البخاري بإسناده عن الشّعبيّ قال: حدّثني كاتب المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إليّ بشيء سمعته من النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكتب إليه سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السّؤال» «١» ، فإذا كان أبو هريرة قد تعفف عن سؤال ينجيه من الهلاك، فمن باب أولى، أن يتعفف المسلم عن سؤال ما يكمل به حياته، وأن يتعفف من باب أولى في باب العبادات، ومثاله، الذين يطلبون الحج مع الناس لينفقوا عليهم، ولا يجدون في ذلك غضاضة في أنفسهم، أو يخرجون من بيوتهم قاصدين الحج، وليس معهم زاد، ويقولون نحن المتوكلون، وفي نيتهم النزول عالة على غيرهم، هذا كله مخالف لسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم.

٢- كمال طاعته للرسول صلى الله عليه وسلم:

يتبين ذلك من:

أ- مسارعته إلى دعوة أهل الصفة، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، مع ما كان يشعر به من جوع، واعتقاد أنه أولى الناس بهذا اللبن، ليتقوى به، فلم يجادل أو يراجع النبي صلى الله عليه وسلم في أمره، بل لم يطلب منه أن يشرب من اللبن قبل دعوة أهل الصفة، ليذهب ما يجده من شدة الضعف، وهذا أدب ما بعده أدب، امتثلوا أمر الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: ١] ، وفهموا أن عدم التقديم يشمل كل شيء، في العبادات والعادات.

ب- طاعته للرسول، في تكرار الشرب من القدح حتى امتلأت معدته، ولم يتوقف عن الشرب إلا بعد عدم وجود منفذ للزيادة، كأنه إذا زاد من اللبن، فلن يصل إلى معدته، وكان من أدبه أنه لم يردّ أمر النبي بزيادة الشرب تصريحا، بل قدّم العذر الخارج عن إرادته، فقال:

ما أجد له مسلكا.


(١) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب: قول الله تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة: ٢٧٣] ، برقم (١٤٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>