للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقول: إن حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ رسالة ربه وحزنه الشديد على من أعرض وأبى قد بلغ مبلغا عجيبا، أذكر منه- على عجالة- آية واحدة في كتاب الله- عز وجل- توضح المراد.

قال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف:

٦] ، وباخع نفسك أي: مهلكها غمّا وأسفا، هذا ما كان يجده النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن الشديد والأسف العظيم على رد الناس دعوته، فلقد أوشك هذا الحزن أن يقتله، وهذا ليس من باب المبالغة، لأنه كلام الله- تبارك وتعالى-، فهل نتصور أحدا يوشك أن يقتله الحزن على عدم إيمان الغير ولو كان أقرب الناس إليه كأبيه أو ولده، هذا هو الفارق بيننا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فنلمح في هذا الحزن رقة قلب، ونصحا للناس كلهم جميعا، قريبهم وبعيدهم، من عرف منهم ومن جهل، ونلمح فيه أيضا حبّا في نشر دين الله- عز وجل- وغيرة على محارم الله، وقياما بوظيفته على أتم وأكمل وجه، بل تكليف نفسه أكثر مما كلف به وأمر.

قال الشيخ السعدي- رحمه الله- في شرح الآية: (لما كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية الخلق ساعيا في ذلك أعظم السعي فكان صلى الله عليه وسلم يفرح ويسرّ بهداية المهتدين ويحزن ويأسف على المكاذبين الضالين شفقة منه صلى الله عليه وسلم ورحمة بهم، فأرشده الله ألايشغل نفسه بالأسف على هؤلاء الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، كما قال في الآية الآخرى: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء: ٣] ، وقال: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ «١» [فاطر: ٨] .

٩- خوفه وتقواه صلى الله عليه وسلم من الله- عز وجل-

عن عائشة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّها قالت: (كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الرّيح قال: «اللهمّ إنيّ أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها وشرّ ما أرسلت به» . قالت: وإذا تخيّلت السّماء تغيّر لونه وخرج ودخل، وأقبل، وأدبر فإذا مطرت سرّي عنه، فعرفت ذلك في وجهه. قالت عائشة: فسألته. فقال: «لعلّه يا عائشة كما قال قوم عاد: فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا» «٢» [الأحقاف: ٢٤] )


(١) تيسير الكريم الرحمن (ص ٤٧٠) .
(٢) مسلم، كتاب: صلاة الاستسقاء، باب: التعوذ عند رؤية الريح..، برقم (٨٩٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>