للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفائدة الثانية:]

بالغ حب الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم ويتبين ذلك من:

١- حرصهم على اقتناء شعر الرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث ورد عند مسلم من حديث أنس رضي الله عنه: (فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل) . وما كان هذا إلا لتعظيمهم كل ما يتصل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ولا نقول الشعره، بل نقول الشعرة الواحدة منه، كانوا يرون أن من الخسارة أن تقع الشعرة على الأرض، ولا ينتفع أحد منها، وقد يكون ذلك أيضا، من باب إجلالهم للشعرة من أن تقع على الأرض التي يمشي الناس عليها بأقدامهم، وهذا ليس ببعيد ولا مستغرب.

٢- رؤيتهم أن اقتناء شعرة واحدة من شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحب إليهم من الدنيا وما فيها، لما رواه البخاري: (عن ابن سيرين قال: قلت لعبيدة: عندنا من شعر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحبّ إليّ من الدّنيا وما فيها) . أي أن أحدهم لو خيّر بين الدنيا بما فيها من الأولاد والمال والحلائل من النساء، وبين شعرة واحدة، من شعر النبي صلّى الله عليه وسلّم والله ما تردد ولاختار الشعرة، فهي أرجح عنده في الميزان من الدنيا وما فيها، فأي حب كان هذا الحب، وتنبه أخي القارئ، أن ابن سيرين لم يكن من الصحابة، ولكن كان من التابعين، أي أن الشعر كانوا يحتفظون به، مددا طويلة، وكانوا إما يتوارثونه أو يتهادونه فيما بينهم، لقول ابن سيرين عن شعر النبي صلّى الله عليه وسلّم:

(أصبناه من قبل أنس) .

[الفائدة الثالثة:]

وهي منقبة عظيمة لأبي طلحة، حيث خصه النبي صلّى الله عليه وسلّم وحده بشطر شعره الأيمن، وبقية الناس بالشطر الآخر.

رابعا: تبركهم بمكان صلاته صلّى الله عليه وسلّم:

عن محمود بن الرّبيع الأنصاريّ: (أنّ عتبان بن مالك؛ وهو من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّن شهد بدرا من الأنصار، أنّه أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري، وأنا أصليّ لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الّذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلّي بهم، ووددت يا رسول الله أنّك تأتيني فتصلّي في بيتي فأتّخذه مصلّى.

قال: فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل، إن شاء الله» . قال عتبان: فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر حين ارتفع النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى دخل البيت، ثمّ قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت) «١» .


(١) البخاري، كتاب: الصلاة، باب: المساجد في البيوت، برقم (٤٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>