للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتخاصمين، وننوه هنا إلى أن قولهم: (الكلام في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) «١» ليس بحديث. والحث على الشفاعة، وندب المتخاصمين إلى قبولها.

[مثال آخر:]

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت ساقي القوم يوم حرّمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلّا الفضيخ «٢» البسر والتّمر، فإذا مناد ينادي، فقال:

اخرج فانظر فخرجت، فإذا مناد ينادي: ألا، إنّ الخمر قد حرّمت. قال: فجرت في سكك المدينة. فقال لي أبو طلحة: اخرج فاهرقها فهرقتها. فقالوا: أو قال بعضهم:

قتل فلان قتل فلان وهي في بطونهم!!. قال: فلا أدري هو من حديث أنس، فأنزل الله عزّ وجلّ: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ «٣» .

[الشاهد في الحديث:]

أن الصحابة رضي الله عنهم، وهم الذين اعتادوا شرب الخمر، وكانت عندهم بمثابة الماء، أول ما سمعوا مناديا ينادي: «إن الخمر قد حرمت انتهوا عنها» ، وهذا يدل على أن طاعة الصحابة كانت على الفور وليس على التراخي، والدليل على ذلك، ما قاله أنس رضي الله عنه في الحديث: (فخرجت فإذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت قال: فجرت في سكك المدينة) ، أي: أنهم قد سكبوا ما عندهم من الخمر في طرقات المدينة، أثناء الإعلام بتحريم الخمر، فهي مبادرة فورية إلى طاعة الله وطاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

[فائدة عظيمة:]

وهي أن الامتثال لأمر الله ورسوله واجب على الفور، وليس على التراخي وهذا الذي فهمه الصحابة وطبقوه في كل حياتهم، فما قال أحد منهم: أذهب أتثبت من رسول الله، ولم يقل آخر: أنتظر حتى أعرف الحكمة من تحريمه، ولم يقل أحد:

إنني قد اعتدت عليها وأريد وقتا لأنتهي عن شربها، وهل سمعتم أحدا يقول: هي مصدر رزقي، وعلى الرسول أن يجد لي مصدر رزق آخر حتى لا يموت أولادي جوعا؟!.

هذا كله لم يحدث في الخمر ولا في غير الخمر، وعجبت من أناس على ألسنتهم كلمة واحدة (أقتنع أولا) ، وقولهم: (الإسلام دين عقل، وأنا لست بالة، فقد كرمني الله بالعقل لأفكر) .


(١) انظر «كشف الخفاء» للعجلوني، (١/ ٤٢٣) .
(٢) الفضيخ: خمر يصنع من ثمر النخل.
(٣) مسلم، كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب، برقم (١٩٨٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>