أقول: إن هذا كله من مداخل الشيطان، وسوء أدب مع الله ورسوله، وذلك للأسباب التالية:
١- الشيطان حريص على أن يبعد المسلم عن دينه بحجج واهية، وقد تصيب هذه الحجج هوى في نفس المسلم، وقد تصيب أيضا جهلا منه، وأعظم هذه الحجج أن يأتي له عن طريق العقل، وأن الله فضل الإنسان على الحيوان بالعقل، بل كرمه على سائر المخلوقات بالعقل، فكيف تفعل أي شيء قبل أن تحكّم عقلك، يقصد بذلك أن يصده عن العمل، دون أن يقول له: لا تفعل الأمر، أو يقول له: افعل الحرام، ولكن النتيجة واحدة، وهي أن المسلم ارتكب المخالفات، والسؤال كيف يرد المسلم كيد الشيطان؟. الإجابة بسيطة وهي أن يقول له: يا هذا لم يخلق العقل لهذا «١» ، وأدلة ذلك كثيرة.
الدليل الأولى: لم يكن من عادة الصحابة، وهم خير القرون، أن يراجعوا النبي في حكم الله ورسوله، ومن أعظم الأدلة على ذلك الحديث الذي معنا، فإن الصحابة لم يراجعوا الرسول فيه كما ذكرت، مع أن بعضهم كان حديث عهد بالإسلام.
الدليل الثاني: أن عقول الناس تختلف من زمان إلى زمان، ومن بلد لآخر، بل من شخص لآخر، حتى الأشقاء في المنزل الواحد، مع أن تعليمهم من مشرب واحد، إلا أنك تجد بينهم تفاوتا عظيما في مداركهم، فهل من المعقول أن تكون هذه العقول المتفاوتة، وهذه المدارك المتباينة هي الحكم على حكم الله ورسوله؟
الدليل الثالث: أن الله عزّ وجلّ لما تعبدنا ب (افعل ولا تفعل) ، ورتب الجزاء على الطاعات، والعقاب على المعاصي، لم يربط الأحكام بالاقتناع، ولم يعذرنا بعدم إدراك الحكمة، فلم يجعل للعقل مجالا للاختيار، فمن يفعل يثاب، ومن يعص يعاقب، وعلى هذا مدار التشريع كله، ومن عنده ما يناقض ذلك من القرآن أو السنة الصحيحة فليأت به.
فإذا سأل سائل: ما هو فائدة العقل إذن؟ نقول له: تأمل القرآن الكريم بتدبر، تعلم جيدا ما فائدة العقل، فسيتضح لك سريعا أن فائدته أن يدلك على أعظم ما في هذا الوجود، وهو أمر التوحيد، فقد أتى الله عزّ وجلّ بأدلة عقلية منطقية، على أنه الإله الواحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في الأمر والخلق، وأنه ليس معه إله آخر يعبد، ولا رب سواه يرجى، وليت المجال يسمح بالاستفاضة، ولكن أعرض أدلة موجزة واضحة توضح المراد،
(١) يعني: لم يخلق العقل للمجادلة في أمر الله ورسوله أو مناقشته بعد ثبوته.