للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢) [الإسراء: ٤٢] ، وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) [المؤمنون: ٩١] ، وقال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) [الطور: ٣٥] ، وقال تعالى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد: ١٦] .

وهذه بعض الأدلة من القرآن الكريم توضح مجال استخدام العقل، ومن ذلك أيضا الأمر بالتفكر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل النهار، أما إذا تحدث القرآن الكريم عن التشريع والأوامر والنواهي فالأسلوب يختلف تماما، ليس فيه جدل ولا أدلة عقلية، لماذا؟ لأن الله عزّ وجلّ يوجه الخطاب للمؤمنين، الذين آمنوا به وصدقوا رسوله، وسلموا له بعد التفكر أن الخلق والأمر، وعلموا أن له الحكمة البالغة في كل ما يأمر وينهى، وأنه منزه عن اللهو والعبث، فيكفي أن يصدر الأوامر والنواهي بقوله تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كأنه يقول لهم: إذا آمنتم حقا فهذا هو حكمي، ولا يمنع ذلك أن ينوه ببعض الحكم في بعض المواضع، فيقول عزّ وجلّ في حكمة تحريم الخمر: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) [المائدة: ٩١] .

ويقول- عز من قائل- في حكمة الصيام: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: ١٨٣] ، وفي حكمة الصلاة قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: ٤٥] ، ولكن المتأمل يعلم أنه ليست كل الأحكام بيّن الله- سبحانه وتعالى- الحكمة منها كما فعل في أمور التوحيد.

أما أن تحكيم العقل سوء أدب مع الله عزّ وجلّ فيتضح مما يلي:

١- الذي يريد أن يحكم العقل في أحكام الشريعة، كأنه يقول بلسان الحال لا المقال:

إن أحكام الدين قد لا توافق العقل، أو قد يكون فيها خلل، فيجب أن أنظر فيها أولا، فإن وافقت عقلي سلمت وإلا فلا، والله يقول في محكم التنزيل: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) [المائدة: ٥٠] .

٢- الذي يحكم العقل في أمور الدين، جعل من عقله المخلوق القاصر، الذي يدرك القليل، ويغيب عنه الكثير من أمور نفسه فضلا عن أمور غيره، يجعله حاكما على

<<  <  ج: ص:  >  >>