٣- المسلم الذي يحكم عقله مع تسليمه بأن الله هو الخالق، قد ناقض عقله، وذلك أن أثبت لله شيئا، وسلب منه لازم هذا الشيء، فمن لوازم تفرد الله بالربوبية أن يكون له الخلق والأمر، قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [الأعراف: ٥٤] ، ومعنى الآية أن جميع الخلق لله وأمرهم أيضا لله، يحكم فيهم وبينهم كيفما يشاء، الدليل على ذلك أن الله عزّ وجلّ لما تكلم في صدر سورة (طه) عن إنزال القرآن الذي فيه الأمر والنهي، وكل ما يحتاج إليه العباد إلى قيام الساعة، قال- سبحانه وتعالى-: تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤)[طه: ٤] ، فكأنه يقول للعباد: وجب عليكم العمل بهذا الكتاب الكريم؛ لأنه من الخالق الذي خلق كل شيء، فكيف ترضون به خالقا، تتنعمون بملكه وتتقلبون في نعمه، ولا ترضون به آمرا ناهيا؟ وتقول لهم أيضا: هل يختلف أحد في عظيم ملكه وبديع صنعه، قال تعالى: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ، فكما أنه- سبحانه- أبدع كل شيء خلقه، فقد أحكم كل شيء شرعه، فلماذا نتفق على عظيم خلقه ونختلف على عظيم حكمه، وبالمناسبة أقول: إن من بدائع القرآن أنه يستدل دائما على صدقه في المنقول بإثبات صدقه في المعقول، وعلى صدقه في أمور الغيبيات بصدقه في أمور المشاهدات، ألم تسمع لقوله- تعالى-: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢)[آل عمران: ١٢] ، ونزلت هذه الآية قبل غزوة بدر، التي هزم فيها الكفار هزيمة منكرة، وكما صدق الله عزّ وجلّ في النبوءة الأولى، وهى أنه سيحدث قتال بين المسلمين والكفار، وأن النتيجة هي هزيمة الكفار، فسيصدق في النبوءة الثانية، والتي فيها إثبات يوم القيامة، وإثبات جهنم، وأنها مثوى الكافرين، وأن الذين سيقتلون في بدر سيكون مصيرهم جهنم، كما أثبتت الآية أن الله قد جعل في جهنم أشد أنواع العذاب حيث أثبتت الآية أنها بئس المستقر والمال، ومثل هذا في القرآن كثير، فتدبر.
٤- الذي يريد أن يحكّم عقله في أمور الدين، حتى يتأكد أو يتضح له أنها صالحة، أو أنها تلبي حاجاته، ولا تتعارض مع مصالحه، قد حكم على الله بثلاثة أمور عظيمة هي:
الأولى: أنه حكم وألزم العباد كلهم بأوامر واحدة، ولم يعلم أنها قد لا تصلح لقرن من القرون أو أمة من الأمم أو حتى فرد من الأفراد.
الثانية: أن الله خلق الخلق، ولم يحط بما ينفعهم أو يضرهم، والله يقول لهؤلاء