خديجة، ولم تمنعها غيرتها منها أن تذكر فضلها وعلمها وحكمتها، فقد يكون الإنسان يغار أشد الغيرة من أخيه، ولكن لا تمنعه هذه الغيرة من قول الحق، والثناء عليه بما هو أهله وهذا مسلك أهل الفضل.
شاهد على خلقه صلّى الله عليه وسلّم بعد البعثة:
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: حدّثني ابن عبّاس قال: حدّثني أبو سفيان من فيه إلى فيّ، قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: فبينا أنا بالشّأم إذ جيء بكتاب من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل. قال: فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقالوا: نعم. قال فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيّكم أقرب نسبا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟
فقال أبو سفيان: فقلت أنا. فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي. ثمّ دعا بترجمانه فقال: قل لهم إنّي سائل هذا عن هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ، فإن كذبني فكذّبوه. قال أبو سفيان: وايم الله لولا أن يؤثروا علىّ الكذب لكذبت. ثمّ قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم. قال: قلت: هو فينا ذو حسب. قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قال: قلت:
لا. قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: أيتّبعه أشراف النّاس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم. قال: يزيدون أو ينقصون؟ قال: قلت:
لا، بل يزيدون. قال: هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال:
قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قال: قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قال:
قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالا؟ يصيب منّا ونصيب منه. قال: فهل يغدر؟ قال:
قلت: لا ونحن منه في هذه المدّة لا ندري ما هو صانع فيها. قال: والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه. قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قلت: لا.
ثمّ قال لترجمانه: قل له إنيّ سألتك عن حسبه فيكم، فزعمت أنّه فيكم ذو حسب، وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك قلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرّسل، وسألتك هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس