فهل نتعلم هذا الدرس العظيم، ونعلم أن الغنى والفقر من الله لا محالة اختبارا وامتحانا، وأن الغنى الحقيقي يوم القيامة، وأن الفقر الحقيقي يوم تقوم الساعة، قال تعالى:
إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ [الواقعة: ١- ٣] ، فالخفض والرفع الحقيقي في الآخرة، وليس في الدنيا، فالسعيد فيها من رفع، والشقيّ فيها من خفض.
[الفائدة الثانية:]
وهي منقبة عظيمة لفقراء الصحابة، فللفقراء في كل بلد مطالب وهموم بل ولهم آمال، ومن آمالهم زيادة قدر الصدقات الممنوحة لهم، لتخفف عنهم عوز الحاجة، وتضمن لهم المعيشة الهنية والعيشة السوية، وقد يذهبون إلى الحاكم، يشتكون إليه ما فيه الأغنياء من ترف ورغد، بل قد يثور الفقراء على الأغنياء، كما حدث قبل الثورة البلشفية في روسيا، فهل حدث هذا من فقراء العصر النبوي؟ لا، إنهم لم ينظروا إلى الأغنياء، يريدون ما عندهم، ما فكروا إلا في أمر واحد، وهو أن الأغنياء لهم فضائل أموال يتصدقون بها، ويحجون بها، ويجهزون بها المجاهدين، وليس عندهم- أي الفقراء- ما ينفقونه في سبيل الله، فتكون للأغنياء أجور عظيمة، والفقراء محرومون منها، فكيف المخرج وما السبيل؟ يريدون فضل الله في الآخرة، وانظر إلى قولهم في آخر الحديث:
(سمع إخواننا أهل الأموال) وهم صادقون في قولهم: إن الأغنياء إخوان لهم.
[الفائدة الثالثة:]
في الحديث مناقب عظيمة لأهل الأموال من الصحابة رضي الله عنهم منها:
١- بيان مدى حرصهم على فضائل الأعمال، كالصدقة والعتق، وكذا الحج والعمرة والجهاد، كما ثبت في رواية عند مسلم، مع همتهم العالية في بقية العبادات، كالصوم والصلاة.
٢- أنهم لم يستكثروا ما هم فيه من الخير الحاصل لهم، من الصدقة والحج والجهاد، بل سارعوا إلى مشاركة الفقراء في ذكر ختم الصلاة، فلم يقولوا: هذه عبادة الفقراء حتى يدركوا ما نحن فيه من فضل، ولم يقولوا: كفى ما نحن فيه من خير؟ بل سارعوا إلى الزيادة، وحرصوا على الريادة، فانظر كيف ربّى النبيّ الأغنياء والفقراء، على حد سواء، فلا حسد ولا غل عند الفقراء، ولا تكبر ولا ترفع عند الأغنياء.
[الفائدة الرابعة:]
التوفيق للطاعات والقربات، محض فضل من الله عز وجل، حيث