للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوافل من الصلوات، لما يجدون فيها من متعة مناجاة الرب تبارك وتعالى، وما فيها من الأجور العظيمة، فلهم بكل تسبيحة، أو تحميدة، أو تكبيرة صدقة، وكذا بكل ركوع وسجود وحرف من قراءة القرآن، ولكن لم يدفعهم ما يجدونه في قلوبهم من لذة مناجاة الرب عز وجل من فعل شئ لم يفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهذا الفقيه العابد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يترك أداء النوافل في السفر، لا لتعب أصابه أو لماء افتقده أو لشغل طرأ له، ولكن ترك صلاد النفل- فقط- لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفعلها.

[الفائدة الثانية:]

لا يحتج علينا أحد بأن هذا المسلك في الاتباع قد تفرد به النقي التقي، عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأنه قد تشدد في مسألة الاتباع، فهذا الاحتجاج يبطله ما ورد في هذا الحديث أن الاقتصار على الركعتين وعدم الزيادة عنهما- في السفر- كان فعل الخلفاء الراشدين: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا.

[الفائدة الثالثة:]

رجاحة عقل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حيث استنبط أن صلاة النوافل الراتبة لو كانت مشروعة في السفر، لكان الأولى إتمام صلاة الفريضة، وأن أداء النوافل الراتبة يتعارض مع حكمة الله عزّ وجلّ من قصر الصلاة الرباعية للمسافر، وقد قيدت في كلامي صلاة النوافل بالرواتب منها، لأن مطلق النفل في السفر هو من سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

ويستنبط من قول ابن عمر رضي الله عنهما: (لو كنت مسبّحا لأتممت) مشروعية القياس الصحيح، المبني على كتاب الله وسنة نبينا صلّى الله عليه وسلّم وتأتي أهمية هذا الاستنباط أنه جاء لنا من كلام صحابي عرف عنه عظيم اتباعه وتقيده بالنص.

[الفائدة الرابعة:]

أفادنا كلام الصحابي عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، الفهم الصحيح لقوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: ٢١] ، فليس معنى أنك جعلت الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو الأسوة والقدوة لك في حياتك، أن تطيع أمره وتجتنب نهيه فحسب، لا، فإن معنى الأسوة الحسنة أوسع وأشمل من ذلك بكثير، فإن معناها هو الاتباع المطلق لكل ما أتى به النبي صلّى الله عليه وسلّم أو تركه، وهذا يبين خطأ من يقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلى الرباعية ركعتين في السفر، ولكنه لم ينهنا عن إتمامها، وآخر يقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم قصر الرباعية ولكنه لم يحرم أداء النوافل الراتبة، وثالث يقول: إذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل ولم ينه عن الفعل فلا حرج أن تفعل خاصة إذا كان الفعل عبادة يحبها الله. سبحانه وتعالى-، وهذا كله يرده قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وفهمه للآية الكريمة التي استشهد بها في نهاية حديثه.

[الفائدة الخامسة:]

منقبة عظيمة لعبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، حيث ثبت له في

<<  <  ج: ص:  >  >>