أن الأفضل على الرجل أن يستشير ولا ينفرد برأيه، ولو كان الأمر يتعلق بأخص خصوصياته، وفي قول السيدة عائشة رضي الله عنها (فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ... ) فوائد، ومنها:
[الفائدة الأولى:]
عظيم أمر الاستشارة وضرورة أن يتخير الإنسان من يستشيره، فالرسول لم ينفرد بالرأي وحده بل استشار في أخص خصوصياته، وهو أمر زوجته، وعندما استشار تخير من يستشير، وهما حبّه وابن حبه أسامة بن زيد، كما استشار ابن عمه وزوج ابنته عليّ بن أبي طالب. وأظن أنه لم يستشر أبا بكر لمكانته من عائشة، فهو أبوها، كما لم يستشر عمر بن الخطاب لقوته الشديدة، وقد يكون لأمر غير ذلك، والله أعلم.
أما ما ذكرناه من اختلاف وتباين آراء المستشارين، فأخذناه من رد أسامة وعلي، فأما أسامة فأشار إليه بما يعلمه من حب النبي صلى الله عليه وسلم الشديد لعائشة، ورغّبه فيها بأن طهرها مما يقال، فذكر أشرف ما فيها، وهي أنها أهل رسول الله، وهل يتصور أن من تشرفت بهذا الشرف الرفيع، وهو أن تكون حليلة أشرف الخلق قدرا يمكن أن تزل؟!، هذا من أمحل المحال، كما زكاها بما عرف منها من أمور الخير التي تدفع أي إنسان عن فعل الذنوب والمعاصي، فكان رد أسامة بن زيد شافيا وافيا.
أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرجح مصلحة سكن النبي صلى الله عليه وسلم وراحة باله لما يراه عليه من قلق وحيرة، ولا يقال أبدا: إنه أشار عليه بأن النساء كثيرات لشيء في قلبه من عائشة- نستغفر الله من هذا القول العظيم- والدليل على بطلانه، أنه أشار على النبي صلى الله عليه وسلم أن يستشير الجارية وأكد صدقها وعدم كذبها، فالذي أراه أنه أراد أن يبرأ ساحتها، وبذلك تكون مشورته قد وسعت الأمر على الرسول، فإما أن يسرح والنساء كثيرات، وإما أن يسأل الجارية ليعلم طهر عائشة وبراءتها فيمسكها عنده، ولرجاحة مشورة علي رضي الله عنه، أخذ بها النبي صلى الله عليه وسلم وسأل الجارية وكان في سؤالها أعظم براءة لعائشة، وقد صدقها النبي كما أشار عليّ عليه، وذلك أنه بعد سؤالها مباشرة وقف في المسجد وقال:«من يعذرني في رجل بلغني أذاه في أهلي» .
وبذلك تأكدنا براءة ساحة علي، بل إنه كان السبب في رفع ما كان النبي يعانيه، أما لماذا لم يقل علي رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم نفس الذي قاله زيد؟ فأظن أن ذلك سيكون من التكرار، ويكفي أنه دل الرسول على طريق آخر يتأكد به من طهارة أهله، وبذلك يكون قد تأكد ذلك