للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك إذا سأل فيجب عليه أن يكون حكيما في أسئلته، يتخير منها المفيد، والذي يوصل إلى الحق من أقرب طريق، ويتجنب الأسئلة التي يكثر فيها الجدل والنقاش.

وهنا أحب أن أهمس في أذن بعض الشيوخ الذين يذهبون إلى تلك المنتديات لعرض الإسلام، فيتجادلون مع الخصوم في الفروع، وليس في الأصول، مثل: لماذا تعدد الزوجات؟ والحال أن الرجال لا تعدل، لماذا الطلاق حق للرجل وهو يسيء استخدامه؟

لماذا للذكر مثل حظ الأنثيين؟ والمرأة الآن تعمل وتشارك الرجل في كل الأعباء المعيشية، بل تقوم بها وحدها في بعض الأحيان، لماذا الذهب حرام على الرجال؟ وبعض المعادن الآخرى الأغلى ثمنا تحل له، وغير ذلك من الأسئلة، وأقول: إنه لا ينبغي لأحد من الشيوخ، وهي وجهة نظر، أن يشترك في تلك الحوارات، وذلك لأن الله- عز وجل- لما دعا أهل الكتاب للإسلام والمحاورة، قال لهم: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٦٤] ، ولما أراد إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم إقامة الحجة على الملك الكافر ماذا قال له؟:

قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [البقرة: ٢٥٨] ، انظروا ماذا قال ربنا: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ، فالنقاش والجدال الصحيح على المنهج المستقيم، لا يستغرق وقتا طويلا، فهذه جملة واحدة من إبراهيم، أفحمت الملك وألجمت لسانه وألزمته الحجة، وانظروا إلى كل آيات القرآن في إقامة الحجج على الكافرين والمعاندين، وكذلك السنة الصحيحة، هل تجادلت معهم في الفروع أو في حكمة كل حكم من أحكام الدين، هذا لم يحدث أبدا، بل إن الكفار لما أثاروا شبهة في العصر النبوي، وهي لماذا يأكل المسلمون الذبيحة التي ذبحوها بأيديهم ولا يأكلون الميتة التي ماتت بقضاء الله؟! ذكر الله- عز وجل- تلك الشبهة في القرآن، وحذّر المؤمنين من الاغترار بها، وتجاوز هذه الشبهة، ولم يتكلف القرآن الردّ عليها، رغم أنه أفاض واستفاض في الرد على شبه المبطلين، وأهل الزيغ والضلال، ولكن ليس في تفصيلات الشريعة، وإنما في أمور العقيدة والتوحيد، قال تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١) [الأنعام: ١٢١] ، وإذا كانت المجادلة والمحاجة في فروع الشريعة وإقامة الحجة على المعاندين فيها خير لعلّمناها الله، ولأرشدنا إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم بل لسبقنا إليها مع كفار قريش، فلما لم يحدث هذا أو ذاك علمنا أن هذا ليس بخير، ولا يجب أن نخوض فيه أبدا، وما سمعت طرفا من تلك المناظرات إلا كان

<<  <  ج: ص:  >  >>