للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنهم (أي المسلمين) قاتلوه، قال الراوي: (ففزع أمية فزعا شديدا) ، وظهر ذلك على وجهه وبقية أعضائه وكذا تصرفاته، لذا وصف الفزع أنه كان شديدا، وما ذلك إلا لتيقنه من صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم.

٢- قول أمية بن خلف، لما سمع مقولة سعد بن معاذ رضي الله عنه كما في إحدى روايات البخاري: (والله ما يكذب محمد إذا حدّث) «١» ، ونلمح في هذه المقولة بعض النقاط وهي:

أ- أنه استفتح كلامه بالقسم؛ وذلك للتوكيد مع أنه لم يطلب منه ذلك.

ب- أنه نفى عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جميع أنواع الكذب في حديثه، لقوله: (إذا حدث) أي:

(بأي شيء حدث) دون تقييد.

ج- أنه صدّق الرسول صلّى الله عليه وسلّم في أمر عظيم، يشمل عدة أمور، وهي: أنه سيخرج للقاء المسلمين وأن أجله سيمتد حتى يقابل النبي صلّى الله عليه وسلّم في الغزو، وأنه سيموت على ما هو عليه من الكفر.

وكان من شدة تصديقه لمقولة النبي صلّى الله عليه وسلّم أن صدرت منه عدة أمور وهي:

أنه سأل معاذا رضي الله عنه عن المكان الذي سيقتل فيه، حيث ورد في الحديث: (قال:

بمكة؟ قال: لا أدري) ، مما يؤكد أن الأمر قد ثبت عنده، واستقر في قلبه غاية الاستقرار، وما بقي إلا أن يعلم أين يقتلونه.

أنه رجع إلى امرأته، يخبرها بما سمع، وكان من مقولته لها: (أما تعلمين ما قال لي أخي اليثربي) .

عدم خروجه أول الأمر، وتخلفه عن استنفار أبي جهل، وما خرج إلا بإلحاح من أبي جهل، لخوفه أن الناس سيتخلفون بتخلفه، قال له أبو جهل: (إنك متي ما يراك الناس قد تخلفت، وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل به) . أي: أنه ما خرج إلا تحت الإلحاح الشديد.

أنه اشترى أجود بعير بمكة؛ حتى يستطيع أن يهرب عليه إذا رابه شيء، وقد عزم ألا يسير مع الجيش إلا قليلا، بالإضافة إلى حفاظه على البعير غاية المحافظة، مخافة أن يهرب منه، قال الراوي: (ما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره) . أي ربطه.

وهذا التصديق التام بحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم ما كان من أمية وحده، بل اشتركت معه زوجته، ومن شدة تصديقها أنها قالت له لما عزم على الخروج: (يا أبا صفوان وقد نسيت ما


(١) البخاري، كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، برقم (٣٦٣٢) ، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>