ب- أنه ما نهر المرأة وما عاتبها أولا وآخرا، أولا: لما لم تعرفه وقالت له: (وما تبالي بمصيبتي) . وفي رواية عند البخاري:(فإنك خلو من مصيبتي) وآخرا: لما عرفته واعتذرت إليه، فقالت:(يا رسول الله لم أعرفك) ، والغريب أنه صلّى الله عليه وسلّم غير سياق الموضوع ولم يشعرها بحرج من عدم معرفته، وقال لها:«إنما الصبر عند أول صدمة» .
ويتفرع عليه، وجوب تحلي أهل الحسبة، بالصبر على أذى الناس، والاحتساب في ذلك، وألاينتقموا لأنفسهم، وأن تكون غايتهم التوجيه والنصح والإرشاد، قدر المستطاع، وأن يعذروا الناس خاصة عند وقوع المصائب، وألا يكلفوهم أكثر مما يطيقون؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما ألحّ على المرأة في امتثال ما يأمرها به، وما وقف على رأسها حتى تتوقف عن المحظور الواقعة فيه، لأن المقام لا يحتمل ذلك، ولو فعل لاحتمل أن تتلفظ بكلام لا يليق، فتقع في محظور أكبر.
ج- تواضعه صلّى الله عليه وسلّم ويتضح ذلك من:
أن المرأة لم تعرفه عند ما قال لها:«اتق الله واصبري» . فلو أنه كان يمشي بحاشية وأتباع، يمشون خلفه أو كانت له مشية معينة أو أنه كان له زي خاص، أو يتبع أسلوبا معينا في الكلام يختلف عن الناس لعرفته المرأة، أو حتى ظنت أنه من أكابر القوم ومن خاصتهم، ولراعت ذلك في ردها.
أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يجعل بوابين على أبواب بيته، أما ما ورد في الأحاديث الصحيحة أنه صلّى الله عليه وسلّم كان له بوابون، يستأذنهم الداخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيحمل على أن هذا الأمر لم يكن على الدوام، ولم يكونوا منقطعين لهذا العمل، ووقوفهم عند البيت كان وقت المصلحة، ولكن الأصل عدم وجودهم، ذكره ابن حجر العسقلاني.
٣- مهابته وإجلاله في نفوس أصحابه رضي الله عنهم ويتضح ذلك من شدة الكرب والفزع الذي انتاب المرأة، لما عرفت أن الذي حدثها هو النبي صلّى الله عليه وسلّم وإذا أردت أخي القارئ أن تتصور الحالة التي انتابت المرأة، فعليك أن تحضر من تأتيه مصيبة الموت، فانظر كيف يكون حاله، خوف ورعشة وعرق وأكثر من ذلك بكثير، هذا كان حال المرأة لما عرفت من الذي حدّثها.
ويتفرع عليه، أن المهابة والإجلال الذي وقر في قلوب الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن نابعا من طريقة حديثه معهم، ولا من كثرة الأتباع والحاشية، ولا من وجود البوابين، ولا من خوفهم أن يوبخهم أو يعاقبهم إن أساؤا وإنما كان هذا الإجلال والإكبار لشخصه