للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدمه، وهذا التقسيم يدلنا على أكبر همهم، والهدف الأسمى الذي كان يعيشون من أجله، والأقسام الثلاثة هي:

أ- قسم ما قبل الإسلام، وهذا لا خوف منه، حيث إن الإسلام يجبّ ما قبله، وكانوا يشترطون قبل البيعة على الإسلام أن يغفر لهم.

ب- قسم ما بعد الإسلام (طيلة حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم) ، ويرجو فيه الصحابي لنفسه الجنة، إن مات في هذه الحقبة، وذلك لتبشير النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم بالجنة، وعظيم أعمالهم من نصرته وصحبته ومؤازرته، فضلا عن نزول الوحي بتأييد ما يفعلونه ومباركته، أو تصويبه وبيان الحق فيه، وكذا تربية النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم وإرشادهم وتوجيههم.

ج- قسم ما بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم ويخشى الصحابي فيه على نفسه، لا نفتاح الدنيا عليه وولايته المناصب، وكيف تستوي عندهم دنيا كانوا فيها يرون النبي صلّى الله عليه وسلّم صباحا ومساء، ودنيا حرموا فيها هذا الفضل العظيم. وهذه الأقسام الثلاثة يشترك فيها جل الصحابة، رضي الله عنهم.

كما تظهر حكمته أيضا في بيان أقسام حياته من قوله: (إني كنت على أطباق ثلاث) .

فأجمل أولا ثم فصّل ثانيا، ويظهر في ذلك تأثرهم الكبير بلغة القرآن، قال- تعالى-:

وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً [الواقعة: ٧] . وأمثلة ذلك في القرآن والسنة كثيرة.

٤- أدبه مع الله عزّ وجلّ ويتبين ذلك من:

أ- قوله رضي الله عنه: (لرجوت أن أكون من أهل الجنة) فأتى بلفظ «رجوت» لأنه لو جزم أنه من أهل الجنة، لكان من الآمنين لمكر الله- سبحانه وتعالى- قال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) [الأعراف: ٩٩] ، ولو نفى هذا الرجاء لكان كالمكذّب لما بشّره به النبي صلّى الله عليه وسلّم فكان من أدبه أن توسط في القول.

ب- قوله رضي الله عنه: (وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي) ، فهو مع إعداده أفضل ما في هذا الدين الحنيف، وهي الشهادتان، لقوله: (إن أفضل ما نعد شهادة ألاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله) . ومع أن سؤال الملكين إنما يكون عن الشهادتين، إلا أنه يخاف أيضا من السؤال، ويحتاج إلى من يأنسه ويقيم حول قبره حتى يجيب الملكين.

كما أن من أدبه رضي الله عنه أنه أضاف الملكين إلى الرب تبارك وتعالى كما أضاف الرب إلى نفسه، ليشعر بتمام العبودية في هذا الوقت الذي سيقبل فيه على مولاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>