للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل الحكيم ولكن ما ذهب إلا لخديجة، علمنا ذلك من قولها: (فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده فدخل على خديجة) ، وقولها: (فقال لخديجة وأخبرها الخبر) . قال الحافظ ابن حجر: (من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه) «١» .

٢- يجب على الزوجة أن تهدئ من روع زوجها، وتكون له خير معين على مصائب الدنيا وهمومها وغمومها، وتقول له ما يناسب المقام، ولا يمكن أن تقوم المرأة بهذه المهمة الشاقة، إلا إذا كانت حكيمة في تصرفاتها، لبيبة في أحكامها، رزينة في أقوالها، فإن الزوج لو اعتاد منها خفة العقل، وسفاهة الرأي وإذاعة السر، انصرف عنها لغيرها، يستشيره في أمره، ويستأمنه على سره، وبذلك تكون قد انقطعت حبال الصلة بين الرجل وزوجته، علمنا ذلك من موقف خديجة رضي الله عنها ترى زوجها يدخل عليها بهذه الحالة من الخوف والرجفة، وهي الزوج الحنون، فلا ترتجف ولا ترتعد، بل تثبت، وتقول له كلمات موجزة أذهبت عنه كل ما يجد: (كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم ... ) .

٤- يظهر من الحديث بصورة جلية واضحة، فقه خديجة رضي الله عنها وعلمها وحكمتها وذلك في النقاط التالية:

أ- علمها وإيمانها بالله- عز وجل-، في قولها: (كلا والله) ، وثقتها به في قولها:

(ما يخزيك الله أبدا) .

ب- إحاطتها بما يحبه الله من الأخلاق والأعمال، وأن هذه الأعمال إذا كانت في عبد فلن يسوءه الله أبدا حيث ذكرت أخلاق الرسول صلّى الله عليه وسلّم وصفاته، بعد قسمها أن الله لن يخزيه أبدا، ومن فقهها أيضا أنها ذكرت الحكم، وهو عدم الخزي، وقدمت بين يديه علة الحكم، وهو اتصاف الرسول بهذه الصفات.

ج- حسن تصرفها، وذلك أنها ذهبت به إلى ورقة بن نوفل، ولكن بعد أن هدأت من روعه، ليستطيع أن يقص عليه خبره جيدا، كما أنها بالذهاب إلى ورقة جمعت للنبي صلّى الله عليه وسلّم العلم العام بالمسألة، وهو علمها، والعلم الخاص، وهو علم ورقة الذي كان يكتب الكتاب العبراني.

د- حكمتها ومن ذلك، أنها لم تحك لورقة ما رأى الرسول مع أنه أخبرها به، ولكن قالت لورقة: يا بن عم اسمع من ابن أخيك؟ لأن الذي رأى ليس كالذي سمع، كما أنها


(١) انظر فتح الباري (١/ ٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>