للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأسأل سؤلا يبين لك مدى سخف هذه المقولة، وهذا السؤال هو: لماذا إذا وفقت للطاعة لا تحتج بالقدر، بل تطلب الثواب من الله، وتحتج به فقط على المعاصي والذنوب؟

وهل إذا هممت بالطاعة وجدت من يمسك بتلابيبك عنها؟ ولماذا لم تتقاعس مرة واحدة في أمور دنياك بحجة أن الله كتب كل شيء، فتجتهد في كل أمور الدنيا، ولا تركن لما كتب الله؟ بل إنك إذا احتج عليك ولدك بقضاء الله، فترك المذاكرة أو الذهاب إلى الاختبار، عاقبته عقوبة شديدة، بل تتهمه بالجنون، أو الاستخفاف بك، بل لماذا تأمره بالاجتهاد والمصابرة على طلب العلم، وأنت الذي تحتج على الله بالقدر؟.

والمشاهد في الدنيا أن الذي يسهر ويتعب يفوز بالمطلوب، وأن الذي يتقاعس ويكسل يفوته المرغوب. فهل هي سنة الله في أمور الدنيا دون أمور الدين؟ لا والله، وهذا أكبر دليل على أن ذلك الاحتجاج السخيف من نزغات الشيطان، فهو الذي يزين للعبد كل ما يحول بينه وبين طاعة الرب سبحانه وتعالى.

ج- أنت باحتجاجك بالقدر، قد سلكت مسلك الكفار في احتاجهم به، وكفى بذلك قبحا وتشنيعا لمقولتك، والله قد حكى عنهم ذلك في سياق الذم والإنكار فقال سبحانه وتعالى سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا [الأنعام: ١٤٨] ، فقد سمى الله احتجاجهم بالقدر كذبا، وأثبت أن هذه الحجة إنما هي حجة الكفار في عصر البعثة المحمدية والعصور الأولى، وجعل مغبّة ذلك وجزاءه، أنهم ذاقوا بأس الله أي عذابه الشديد، فهل ينتظر هذا المحتج بقضاء الله أن يحل عليه العذاب وينزل به الانتقام؟

ولو كانت هذه الحجة حقّا، فحاشا لله أن يذمها؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الحق، ولا يصدر عنه إلا الحق، وحاشاه أن يعاقب عليها، فهو العدل ولا يحكم إلا بالعدل، قال سبحانه وتعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا [الأنعام: ١١٥] . فضلا عن أن هذا الاحتجاج من الكفار بالقدر يكون في الدنيا فقط، أما في الآخرة فلن يحدث؛ لأنه لم تأت آية واحدة في القرآن، تثبت أنهم سيحتجون بالقدر يوم القيامة، ولو علموا أنها حجة مفيدة يعتذرون بها إلى الله لقالوها، ولو قالوها لحكاها الله لنا ليدحضها ويبين بطلانها، فلما لم يحكها الله تعالى علمنا أنهم لن يحتجوا بها، ولما لم يحتجوا بها علمنا أنها حجة باطلة، وإذا كانت باطلة في الآخرة فبطلانها في الدنيا التي هي زمن الأعمال والإمهال من باب أولى فتدبر.

د- الذي يرى أن القضاء والقدر، حجة على الله عز وجل في ترك الأعمال، وعدم

<<  <  ج: ص:  >  >>