أصابه لم يكن ليخطئه، وأن الذي أخطأه لم يكن ليصيبه؛ لأن الكتابة عند الناس أبلغ وآكد بكثير من العلم وحده، ألم تسمع لقولهم إذا أصابهم شيء، ويريدون أن يخففوا وقعه على قلوبهم يقولون (هذا مكتوب) ، ولا يقولون: معلوم، وقد تكون الكتابة لحكم أخرى لا يعلمها إلا الله سبحان وتعالى.
٣- نتعلم مما سبق، أن العلم يجب أن يوثّق بالكتابة، فإذا كان الله عز وجل قد كتب، وهو الذي لا يلحقه نسيان ولا غفلة، فكيف بنا، فالذي نتعلمه اليوم قد ننساه غدا، وقد سمي الإنسان إنسانا لكثرة نسيانه، والكتابة سنة العلماء قديما وحديثا.
٤- إذا تيقن العبد أن الله علم كل شيء، وكتب كل شيء، وأن الذي كتبه الله كائن لا محالة، وجب عليه الرضا والتسليم، وعدم الجزع للمصائب، وألا يندم على شيء فاته، ولا يحزن على شيء أصابه، فتخفّ بذلك همومه وتقل غمومه، وكلما يتقين العبد من أنّ كل شيء مكتوب، كلما كان لقضاء الله أرضى، وعند نزول المصائب أصبر.
٥- إذا احتج العبد بالقدر، وقال: لم يحاسبنا الله، وقد كتب كل شيء علينا؟، قلت له: تدبر ما يلي:
أ- إن الله الذي كتب كل شيء وقدر كل ما هو كائن إلى يوم القيامة، هو الذي أمر ونهى، ووعد المطيع بالثواب، وتهدد المسيء بالعقاب، فهل تتصور أن الله سيحاسبنا على ما أجبرنا على فعله، أو ما اضطرنا لتركه؟ والذي يظن ذلك، فقد أساء الأدب مع الله عز وجل؛ لأنه تصور أن الله يصدر منه الظلم- حاشاه جل في علاه- وهو الذي قال في محكم التنزيل: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: ٤٦] ، وقال في الحديث القدسي الذي رواه مسلم، في سياق المتمدح لنفسه عز وجل على أفعاله عن أبي ذرّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنّه قال:«يا عبادي إنيّ حرّمت الظّلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا»«١» . أتصدق الله أم تكذبه؟ فالذي يحتج بالقدر فهو بلسان حاله وبلسان مقاله في بعض الأحيان، يشكك في عدل الله، بل يدعي كذبا أنه يظلم العباد، وهذا منكر عظيم يصل بالإنسان للكفر، وهو أعظم من التكاسل عن العمل، احتجاجا بالقضاء والقدر.
ب- أنت لا تعلم ما كتبه الله لك أو عليك، فمن رحمته أن حجب ذلك عن العباد.