للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليقظة أو في المنام. وهذا مما يعظّم أمر التحريم جدّا) «١» .

٢- المباينة الشديدة بين الكذب عليه صلى الله عليه وسلّم والكذب على غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد» ، فإذا كان الكذب على الناس مذموما شرعا، وهو من كبائر الذنوب، التي تفضي إلى الفجور ثم إلى النار، لما ثبت عند مسلم، عن عبد الله رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وإنّ الرّجل ليصدق حتّى يكون صدّيقا، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنّ الفجور يهدي إلى النّار، وإنّ الرّجل ليكذب حتّى يكتب عند الله كذّابا» «٢» .

وهو إحدى علامات المنافق، لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «اية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» «٣» . فإذا كان الكذب على الناس يؤدي بصاحبه إلى النار، فكيف الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلّم وإذا كان الكذب على الخلق من علامات المنافق فما بالكم بالكذب على سيد الخلق، ولتقريب الصورة أكثر وأكثر إلى ذهن القارئ، فإني أقول: إذا كان أبو سفيان رضي الله عنه قد استقبح- قبل إسلامه- أن يكذب على كافر- وهو هرقل عظيم الروم- في شأن عدو لهما- وهو النبي صلى الله عليه وسلّم وخاف أن يجلب له هذا الكذب المعرة، فكيف لا يستقبح المسلم أن يكذب على صاحب أعظم منة وفضل عليه من البشر، وهو النبي صلى الله عليه وسلّم أما يخشى المعرة في الدنيا والآخرة؟!، أما يخشى العقوبة الشديدة التي وردت في الحديث، أما يستحي من الله- تبارك وتعالى- أن يكذب في دينه وشرعه.

وللتذكرة فإني أقول: إن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلّم يدخل قطعا في الكذب على الله تبارك وتعالى، من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلّم ما هو إلا مبلغ عن ربه تبارك وتعالى، والذي يتقول عليه، فكأنما يتقول على الله، لأن لسان حاله يقول: (إن الذي أدعيه من القول وأنسبه للنبي صلى الله عليه وسلّم هو وحي من الله تعالى أوحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلّم) . فادعى أن كلام البشر الناقص الذي يفتقر إلى كمال الحكمة والبيان هو من كلام النبوة الموافق لعظيم الحكمة وجميل البيان، قال- تعالى-: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ


(١) انظر «فتح الباري» (١/ ٢٠٢- ٢٠٣) .
(٢) مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، برقم (٢٦٠٧) .
(٣) البخاري، كتاب: الأدب، باب: قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ برقم (٦٠٩٥) ، ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: بيان خصال المنافق، برقم (٥٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>