١- حثت الآية المسلمين على مطلق غض الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهي أبلغ من الآية التي قبلها في وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلّم حيث زكّت من يغض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم سواء تكلم معه أم مع غيره في مجلسه، كما لم تقيد خفض الصوت بحيث يكون أخفض من صوت النبي صلى الله عليه وسلّم ولكنها حثت على مطلق خفض الصوت بغض النظر عن صوت النبي صلى الله عليه وسلّم في المجلس.
وهذا ما كان يفعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يخفض صوته جدّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآيات الكريمات حتى أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يطلب منه إعادة ما يقول ليفهم منه، ذكر ذلك في الحديث الذي أوردته عن سبب نزول الآية:(فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية حتى يستفهمه) .
٢- بينت الآية الكريمة أن خفض الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم هي من علامات تقوى القلوب، بل إن هذه القلوب قد طهرها الله من كل قبيح ورذيل بفضل التزام أصحابها غض الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذكر القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى قوله:(طهرهم من كل قبيح وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى)«١» .
٣- ختمت الآية بذكر عظيم الثواب الذي أعده الله عزّ وجلّ لمن تأدب مع النبي صلى الله عليه وسلّم في الحديث معه بقوله تعالى: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، فقد وعدهم الله بأمرين عظيمين، هما: المغفرة من ذنوبهم، ومن لوازمه ستر الذنوب ومحوها، والأجر العظيم، أي الجزاء الذي يتصف بالعظمة في قدره وكمّه ومن لوازمه دخول جنات الفردوس التي أعدها الله لعباده الصالحين.
وتدبر أخي القارئ عظيم بركة التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلّم في مجال واحد من مجالات التأدب وهو خفض الصوت، قلب تعمره التقوى قد تنزه عن الشكوك والشبهات، ذنوب قد غفرت ومحيت من الصحائف فابيضت تلك الصحائف لخلوها من الذنوب والآثام، أجور عظيمة قد كتبت في تلك الصحائف فازدادت بياضا على بياضها وجمالا على جمالها، فما بالك أخي القارئ لو استوفى المسلم جميع الآداب مع النبي صلى الله عليه وسلّم ماذا سيكون جزاؤه وعاقبته في الدنيا والآخرة؟!.