للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت) «١» .

وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار، وفيه دليل على عظيم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها وكانت مدة حياتها معه منفردة توازي ضعفي ما عاشت معه بقية الزوجات مجتمعات، لأنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد أن تزوجها ثمانية وثلاثين عاما انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاما وهي نحو الثلثين من المجموع، ومع طول المدة فقد صان قلبها من الغيرة ومن نكد الضرائر الذي ربما حصل له منه ما يشوش عليه بذلك، وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها، انتهى كلامه «٢» .

٢- حكمته صلى الله عليه وسلم ويتبين ذلك من معايير تفضيله لزوجاته، فلم يكن أساس تفضيله صلى الله عليه وسلم للوضاءة وصغر السن وعدم سابقة الزواج، وقد تجمعت كل تلك الصفات على أكمل وجه لعائشة رضي الله عنها ومع ذلك فضّل عليها زوجة قد توفيت، وهي خديجة رضي الله عنها وأسباب تفضيلها لا تخفى على أحد، فمن تلك الأسباب، سبقها للإسلام بلا منازع، ولا أقول: إنها أول من آمنت بالنبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق فحسب، بل أقول: إنها أول من سمعت منه خبر الوحي، فكانت رضي الله عنها الوحيدة التي شاركته صلى الله عليه وسلم صعوبة هذا الموقف، بل وحلاوته أيضا عندما أكد ورقة بن نوفل أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو نبي هذه الأمة، وقد ذكرت ذلك تفصيلا في باب: (تزكية خلقه صلى الله عليه وسلم) .

كما أن من أسباب تفضيلها رضي الله عنها مواساتها للنبي صلى الله عليه وسلم بمالها ورأيها ومكانتها، فقد كانت رضي الله عنها غنية ذات حكمة ورأي مع نسبها وحسبها، وإذا كان كثير من الصحابة قد شاركها في هذه الأعمال، إلا أن الأمر لا يستوي، لأن خديجة رضي الله عنها قد فعلت ذلك في وقت عزّ فيه الصاحب والنصير، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحوج ما يكون لمن يؤنسه ويصدقه ويصبّره، بل من يدخل عليه السرور بإنجاب الأولاد.

٣- فراسته صلى الله عليه وسلم حيث كان يعرف حضور هالة بنت خويلد، من مجرد مشابهة استئذانها لاستئذان خديجة رضي الله عنها.

٤- براءة ساحته صلى الله عليه وسلم مما ينسب إليه كذبا وبهتانا، أنه أكثر من الزواج لأجل الشهوة والمتعة.

أقول: وإن كان حب معاشرة النساء في الحلال ليس بحرام، ولكننا لا نثبته له صلى الله عليه وسلم إلا


(١) مسلم، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، برقم (٢٤٣٦) .
(٢) انظر فتح الباري (٧/ ١٣٧) بتصرف بسيط يوضح المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>