أصلابهم، وتربوا أمام أعينهم يوما بعد يوم، فهل يضل الوالد عن ولده، والله إنه ليعرفه من صوته أو من مشيته أو من رائحة عرقه، حتى ولو غاب عنه عقدا من الزمان، هكذا يعرف أهل الكتاب رسولنا صلى الله عليه وسلّم، لا تختلف عليهم أوصافه أبدا، وما كانت هذا المعرفة لتتم إلا بوصف دقيق له صلى الله عليه وسلّم في كتب الله المنزلة وهذا بلا شك من رفع الذكر، قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة: ١٤٦] .
٤- حفظ عرضه صلى الله عليه وسلّم من سب ولعن كفار قريش، روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم! يشتمون مذمّما ويلعنون مذمّما وأنا محمّد»«١» ، فمن تمام رفع ذكره صلى الله عليه وسلّم أن لا يخدش بأدنى ذم أو لعن، فمن كمال رفع الذكر أن يذكر الإنسان بكل الصفات الحميدة وأن يبرأ من كل سب ولعن، فمن الذي تكفل بإثبات الأولى ودفع الثانية عن النبي صلى الله عليه وسلّم؟ إنه الله وحده، الأولى: بالصلاة عليه في العالمين العلوي والسفلي، والثانية: أنه هو الذي صرف كفار قريش عن سبه ولعنه لما ورد في الحديث: «ألا تعجبون كيف صرف الله عني شتم قريش ولعنهم» . فأثبت الحديث ثلاثة أمور:
الأول: أن قريشا كانت حريصة على السب واللعن.
الثاني: أن الذي صرف عنه السب واللعن هو الله سبحانه وتعالى.
الثالث: أن أمر صرف هذا اللعن والسب مع حرص كفار قريش عليه، من الأمور العظيمة التي يتعجب منها، وما يتعجب منه يجب الوقوف عنده للتأمل والتدبر.
٥- لم يناده الله، - سبحانه وتعالى- باسمه أبدا في القرآن العظيم، فلم ترد آية واحدة بصيغة (يا محمد) كما ورد عن بقية الأنبياء، عليهم جميعا الصلاة والسلام، كما في قوله تعالى على سبيل المثال: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا، وقوله تعالى: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا، وهكذا مع كل الأنبياء، ولما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلّم كان على سبيل الإخبار وأتبع بصفته، قال تعالى:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ولا شك أن توجيه الخطاب إليه في القرآن الكريم، دائما بصيغة الرسالة: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ أو بصفة النبوة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لهو من علامات رفع الذكر.
وتدبر أخي القارئ، أن نبينا صلى الله عليه وسلّم قد توجه إليه الخطاب في القرآن الكريم (سواء بخبر أو أمر أو نهي) بكل أنواع الخطاب الممكنة، فقد توجه إليه الخطاب بصيغة النداء بدون ذكر