المحسنات؛ لأنه لو اندثرت سنة من السنن وسكتت الأمة على هذا الاندثار سواء بعدم الدعوة لهذه السنة أم عدم العمل بها لتحقق فيها الاجتماع على باطل، والأمة معصومة من ذلك.
وقد بين الشيخ السعدي المسألة بيانا جميلا، حيث قال ما نصه:(وقد استدل بهذه الآية الكريمة، على أن إجماع هذه الأمة حجة، وأنها معصومة من الخطأ، ووجه ذلك أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين بالخذلان والنار، وسَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مفرد مضاف، يشمل سائر ما المؤمنون عليه من العقائد والأعمال، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء، أو استحبابه، أو تحريمه أو كراهته، أو إباحته- فهذا سبيلهم، فمن خالفهم في شيء من ذلك بعد انعقاد إجماعهم عليه، فقد اتبع غير سبيلهم. ويدل على ذلك قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: ١١٠] ، ووجه الدلالة:
أن الله تعالى أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة لا يأمرون إلا بالمعروف، فإذا اتفقوا على إيجاب شيء أو استحبابه، فهو مما أمروا به، فيتعين بنص الآية أن يكون معروفا، ولا شيء بعد المعروف غير المنكر، وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء، فهو مما نهوا عنه، فلا يكون إلا منكرا، ومثل ذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة: ١٤٣] . فأخبر تعالى أن هذه الأمة جعلها الله وسطا، أي عدلا خيارا؛ ليكونوا شهداء على الناس، أي: في كل شيء، فإذا شهدوا على حكم بأن الله أمر به أو نهى عنه أو أباحه، فإن شهادتهم معصومة، لكونهم عالمين بما شهدوا به، عادلين في شهادتهم، فلو كان الأمر بخلاف ذلك لم يكونوا عادلين في شهادتهم، ولا عالمين بها، ومثل ذلك قوله تعالى: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: ٥٩] ، يفهم منها أن ما لم يتنازعوا فيه، بل اتفقوا عليه، أنهم غير مأمورين برده إلى الكتاب والسنة، وذلك لا يكون إلا موافقا للكتاب والسنة، فلا يكون مخالفا، فهذه الأدلة ونحوها تفيد القطع، أن إجماع هذه الأمة حجة قاطعة) «١» .
ويجب التنبه إلى أن حديث «لا تجتمع أمتي على ضلالة» والذي يتداوله الكثير من الناس، حديث ضعيف، والحمد لله أن هدى الله أهل العلم أن في آية وحديث الباب دليلين على حجية الإجماع، وأنه حجة في التشريع بعد الكتاب والسنة، ولا عبرة للمخالف.