للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نمر نحن عليه فلا يشعر بنا ولا نشعر به، وحجر يمر عليه النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه معلنا الإيمان به صلى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا، شتان بين نخلة نرويها ونسقيها لننتفع من ثمرها الطيب ليس بيننا وبينها علاقة حب ومودة، وبين نخلة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكئ عليها في خطبة الجمعة فكانت تسمع منه الذكر الحكيم وتعيه وتخشع له فأحبت النبيّ صلى الله عليه وسلم وأحبت الذكر الذي كانت تسمعه أعظم الحب، ثم لما تركها صلى الله عليه وسلم وخطب على المنبر اشتاقت إليه أشد الاشتياق وشعرت بفداحة المصيبة التي ألمت بها بفراق النبي صلى الله عليه وسلم، فلن يمسها- بعد صناعة المنبر- جسد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن كانت تحظى بهذا الشرف وتنال من بركته ما لم يحظ به من جنسها أحد مثلها، فما كان منها إلا أن بكت بكاء الصبي، الذي أصابته مصيبة، وأقول: فارق كبير- والله- بين حبنا وحب النخلة، وأسأل هل قست قلوبنا فعجزت أن تحب النبي صلى الله عليه وسلم وتشتاق إليه؟! كما أحبته الشجرة واشتاقت إليه؟! هل وصل بنا الأمر أن يكون غاية أملنا أن يصل حبنا كحب الشجرة وقليل منا من يبلغه، والله لا نملك أن نقول في مصيبتنا هذه إلا: إنا لله وإنا إليه راجعون.

أيها المسلمون هل يقبل عقلا أو شرعا أن يكون حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم أقل من حب الشجرة، وكان الأجدر والأولى هو العكس؛ لأننا الذين تنعمنا بخيره من كل وجه، حيث خرجنا به من الظلمات إلى النور؛ لأننا الذين استنقذنا الله به من النار ويدخلنا به الجنة إن شاء الله؛ لأننا الذين نطمع في شفاعته يوم الدين، ولأننا المقصودون أولا وآخرا ببعثته الميمونة صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون: بعد هذا البيان هل لنا أن نتصور حب الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه وتعالى الذي اصطفاه على العالمين ورضي به خاتما لأنبيائه ومرسليه، وأمينا على أعظم كتبه وأكمل شرائعه، وكذا حب أصحابه وأزواجه له صلى الله عليه وسلم.

وأختم بكلام جميل يؤكد ما ذكرته آنفا ويبين ما في نفسي من المعاني التى لم أستطع أن أعبر عنها، قال الإمام الشافعي- رحمه الله- فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في «مناقب الشافعي» عن عمرو بن سواء عن الشافعي قال: ما أعطى الله نبيّا ما أعطى محمدا، فقلت:

أعطى عيسى إحياء الموتى، قال: أعطى محمدا حنين الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك «١» .

فإن قال قائل: كيف يكون حنين جذع نخلة أعظم إعجازا من إحياء عيسى عليه السلام


(١) انظر فتح الباري (٦/ ٦٠٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>