للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اشهدوا» «١» .

وفي الحديث المتفق عليه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنّ أهل مكّة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقّتين حتّى رأوا حراء بينهما) «٢» .

قصة انشقاق القمر بلا شك من أعظم المعجزات الحسية التي أيد الله تبارك وتعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم، حيث شق الله له القمر فلقتين حتى ظهر بينهما جبل حراء، وهي من أعظم المعجزات للأسباب التالية:

١- حدثت المعجزة بناء على طلب من الكفار، لما ثبت عند الشيخين من رواية أنس رضي الله عنه: «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين» ، ولما ورد في حديث الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اشهدوا» . والآية التي تكون على طلب المتحدي أبلغ في إظهار قوة المتحدّى وألزم للخصم.

٢- حدثت المعجزة في آية من أعظم الآيات الكونية وهي القمر، الذي يتعلق به قلوب الناس وأبصارهم كل ليلة، خاصة في مثل هذا الزمن- فكون المعجزة في القمر نفسه أفاد الأمور التالية:

أ- كانت معجزة عامة لا يسع أحدا أن ينكرها فقد شاهدها المسلم والكافر، والكبير والصغير، والحاضر والبادي، فهي بذلك تختلف عن بقية معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي غالبا ما تقتصر رؤيتها على أصحابه رضي الله عنهم، كتكثير الطعام.

ب- يجمع أصحاب العقول السليمة والفطر السوية أنها معجزة لا يقدر عليها إلا الذي خلق الشمس والقمر، وهو الله تبارك وتعالى، كما يجمعون على أنها معجزة لا تأتي عن طريق السحر والشعوذة والإيحاء، وهل قدر السحرة من قبل ومن بعد على مثلها؟!.

فهل يعقل أن الحكيم العليم يؤيد من يكذب عليه- حاشا لله أقولها فقط تنزلا مع الخصم- بمعجزة تكون في واحد من أعظم مخلوقاته وهو القمر، فيجعل عباده في شك وريب من أمرهم، إن أخف الناس عقولا يقرون أن حكمة الله سبحانه وتعالى تأبى ذلك.

قال الشيخ السعدي- رحمه الله-: (فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما


(١) رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، برقم (٤٨٦٤) .
(٢) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب: انشقاق القمر، برقم (٣٨٦٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>