للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبيان شرفه، وعظيم منزلته عند ربه، لأنه لا يمكن أن يتردد على الملك ويكثر عليه في الطلب، إلا من يحبه الملك أشد الحب.

شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب؛ لما ورد عند البخاري، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمّه فقال: «لعلّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النّار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه» «١» .

ط- ومن أتم الأمور التي تبين منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه، أنه أخبره في حياته بكل ما خبأه له يوم القيامة، من شرف ورفعة وسؤدد على الخلق كلهم جميعا، وذلك على وجه التفصيل لا الإجمال، وما كان هذا الإخبار ليحدث، لولا علم الله التام، بأدب النبي صلى الله عليه وسلم، مع ربه، وبالغ خوفه وتقواه وخشيته لله- عز وجل-، ومن فوائد ذلك الإخبار:

أن يزداد النبي صلى الله عليه وسلم شكرا لله، على هذه المنزلة العظيمة، وتقرّ عينه في الدنيا، بعلمه القرب من خالقه، ومنزلته يوم القيامة.

أن تعلم الأمة منزلة نبيها، صلى الله عليه وسلم، في الآخرة، كما علمت منزلته في الدنيا، فيزداد حبها واتباعها له، طمعا أن ينالها شفاعته في الآخرة.

٦- رحمة وشفقة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمة، حيث كان أول سؤال له في أمته، قال:

«فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب» ، فاجتهاده في السؤال والتوسل إلى الله، يدل على حبه لأمته، وكذا تكرار الشفاعة، حتى يرضى بخروج من قال لا إله إلا الله من النار، ويجب أن ننتبه إلى أنه صلى الله عليه وسلم أضاف الأمة إلى نفسه، من باب التوسل إلى الله- عز وجل- أن يرحمها، فبهذه الإضافة تتنزل رحمات الله المتتابعة، ولو كان هناك إضافة أعظم من نفسه، لأضاف الأمة إليها، كأن يقول مثلا: (يا رب أمة الإسلام) أو (يا رب خير أمة أخرجت للناس) ؛ لأن الموقف يستلزم تأدبا مع الله أن يتوسل بأعظم الأمور حتى ينفرج الكرب والهم.

ومن دلائل شفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم، أنه خبأ دعوته شفاعة لأمته في هذا الموقف العظيم، فلكل نبي دعوة مستجابة، وقد استنفذ هذه الدعوة نوح، ولذلك اعتذر عن الشفاعة، وقد ورد عند البخاري، عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لكلّ نبيّ دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمّتي في الآخرة» «٢» .


(١) البخاري، كتاب: الدعوات، باب: لكل نبي دعوة مستجابة، برقم (٦٣٠٤) .
(٢) البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، برقم (٣٣٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>