للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ السعدي رحمه الله في قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، أي: (عدلا خيارا) ، وما عدا الوسط فأطراف داخلة تحت الخطر، فجعل الله هذه الأمة وسطا في كل أمور الدين، وسطا في الأنبياء بين من غلا فيهم كالنصارى، وبين من جفاهم كاليهود، بأن آمنوا بهم كلهم على الوجه اللائق بذلك، ووسطا في الشريعة لا تشديدات اليهود وآصارهم ولا تهاون النصارى، وفي باب الطهارة والمطاعم لا كاليهود الذين لا تصح لهم صلاة إلا في بيعهم وكنائسهم ولا يطهرهم الماء من النجاسات وقد حرّمت عليهم طيبات عقوبة لهم، ولا كالنصارى الذين لا ينجسون شيئا، ولا يحرمون شيئا، بل أباحوا ما دب ودرج) .

انتهى «١» .

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: (إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع يعترفون لكم بالفضل، والوسط هنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسبا ودارا، أي خيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه أي أشرفهم نسبا، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر كما ثبت في الصحاح وغيرها، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب كما قال تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: ٧٨] . انتهى «٢» .

وقال الإمام القرطبي رحمه الله: (ووسط الوادي خير موضع فيه وأكثره كلأ وماء، ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا، أي أن هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم) .

وفيما قاله علماؤنا رحمهم الله الكفاية وزيادة لبيان ما منّ الله- عز وجل- به على هذه الأمة من فضائل لا تحصى، سواء كان ذلك في العقائد أم في الشرائع، وكذا حفظها من الزيغ والضلال، وضمان عدم اجتماعها على الباطل، كما سيأتي في الفوائد.

وخلاصة القول: أن الله- عز وجل- ما امتن منة على أمة من الأمم إلا امتن علينا بأحسن ما يكون من جنس هذه النعمة، فعلى سبيل المثال امتن على الأمم السابقة بإرسال الرسل وإنزال الكتب وتشريع الشرائع، ولكن خصّنا دون الأمم السابقة بأفضل أنبيائه وأشرف كتبه وأحكم شرائعه، فضلا عما أولاه سبحانه وتعالى- لنا من نعم كثيرة وآلاء جسيمة لم يكن لأمة من قبلنا ما يناظرها أو حتى يقاربها، وقد


(١) انظر «تيسير الكريم الرحمن» ، (٧٠) .
(٢) انظر «تفسير القرآن العظيم» ، (١/ ١٩١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>