للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأضرب مثالا بسيطا ليتصور القارئ سعة خلقه- سبحانه- وكثرة مخلوقاته، ورد في الصحيحين نبأ البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه أبدا، قال صلى الله عليه وسلم: «فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه» «١» فكم هو عدد الملائكة، الذين هم جنس واحد من مخلوقات الله- سبحانه وتعالى- وكم سعة هذا البيت الذي يستوعب هذا العدد الهائل من جنس عظيم الخلقة كالملائكة، وقس على ذلك بقية الأكوان والمخلوقات.

ومن لوازم قيومته- سبحانه وتعالى- كمال قدرته، وتنزيهه عن أي نقص في ذاته وحياته- سبحانه وتعالى- مثاله أن الله الذي يقوم بأمر السماوات والأرض لا ينبغي له أن ينام بل ولا تعرض له مقدمات النوم، قال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة: ٢٥٥] ، وتدبر الآية كيف ذكرت تنزيهه- سبحانه وتعالى- عن النوم والسّنة بعد ذكر قيومته.

٣- إثبات أن الله ملك السماوات والأرض ومن فيهن، والملك هو الذي خلق، وهو الذي يربي خلقه على نعمه وآلائه، ومن لوازم ملكه للسماوات والأرض ومن فيهن، أن الأمر كله يرجع إليه، وأن يكون له التصرف المطلق فيهن وبمن فيهن، وألايحدث فيهن شيء إلا بعلمه وإذنه، وأن من لوازمه أيضا أن نتوجه إليه بجميع العبادات صغيرها وكبيرها، سرها وعلانيتها، فهو الملك سبحانه وتعالى.

٤- إثبات أن الله- تبارك وتعالى- هو نور السماوات والأرض، وهو موافق لقوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: ٣٥] ، قال ابن حجر في الفتح: (أي منوّرها وبك يهتدي من فيها، وقيل: المعنى: أنت المنزه عن كل عيب، يقال: فلان منوّر، أي مبرأ من كل عيب، ويقال: هو اسم مدح تقول: فلان نور البلد أي مزيّنه) «٢» .

٥- إثبات أن الله- تبارك وتعالى- هو الحق، والحق هو الذي لا يتغير ولا يتبدل، وهو الذي لا يحول ولا يزول، وجاء اللفظ هكذا مطلقا غير مقيد، ليفيد العموم، فهو- سبحانه وتعالى- حق في ذاته وأسمائه وصفاته وفي أفعاله وكلامه، وهذا أبلغ في الثناء والمدح، وإذا كان الله هو الحق فكل ما ينزل منه حق، وكل ما يعد به حق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم بعد قوله «أنت الحق» قال: «ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والنار حق،


(١) مسلم، كتاب الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم (١٦٢) .
(٢) فتح الباري (٣/ ٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>