للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: ١٨] ، فقد قرن الله شهادته وشهادة ملائكته، بشهادة أولي العلم، يدل ذلك على أنهم أعدل الناس وأكرمهم عند الله.

وقد ذكر ابن حجر في الفتح أن المقصود بخيار الناس في الجاهلية هو من اتصف بالخصال المحمودة من ملائمة الطبع، وأن الشرف في الإسلام يكون بالخصال المحمودة شرعا.

ويتفرع على ذلك: علمنا بعظيم قدر التفقه في الدين حيث اشترط النبي صلى الله عليه وسلم وجوده فيمن اتصف بالخصال المحمودة ليكون من أكمل الناس، وإذا كان صاحب الفقه في الدين محمودا، فإن صاحب الجهل في الدين مذموم، خاصة إذا كان عنده قدرة من ناحية العقل والوقت، على تحصيل العلم الشرعي ثم تقاعس أو انشغل عنه بما هو أدنى منه.

٣- فصاحته ورجاحة عقله صلى الله عليه وسلم في تقسيم الناس: حيث إن الصحابة لما سألوه عن أكرم الناس، وكان سؤالا واسعا، يحتمل عدة معان، قسّم هو الناس، وبنى تقسيمه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أمور، بدأ فيها بالأعظم، ثم الأهم، ثم المهم، فلما كانت تقوى الله والخوف منه هي أعظم الأمور- لأنها الباعث لكل خير، والرادع عن كل شر- بدأ صلى الله عليه وسلم بها دون غيرها، وقد تحققت ثلاث حكم بالبدء بالتقوى وهي:

أ- إثبات أن الأنبياء عليهم جميعا الصلاة والسلام، هم أكرم الناس على الإطلاق ولا ينازعهم في ذلك أحد، لأنهم أتقى الناس لله- عز وجل- ولو بدأ بيوسف مثلا لضاعت تلك الحكمة.

ب- إثبات أن ما يكتسبه الإنسان مقدم على ما لا دخل له فيه، والذي هو منحة خالصة من الله- سبحانه وتعالى- لذلك قدم صلى الله عليه وسلم التقوى على شرف النسب، وهذا منتهى العدل الرباني.

ج- إثبات ما أثبته القرآن، أن أعظم مظاهر التفاضل بين الناس إنما يكون بتقوى الله، وقد مر قريبا.

ثم ثنى النبي صلى الله عليه وسلم بالنسب الشريف الطاهر، والذي هو منحة خالصة من الله- تبارك وتعالى- وهي للنبي يوسف عليه السّلام، ثم اختتم بعموم الناس الذين لهم فضل في الجاهلية باتباع العادات المحمودة وفضل في الإسلام باتباع المأمور شرعا مع الفقه في الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>