للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلحظ أخي القارئ أنه ليس شيء مما ذكر- رحمه الله- يتعلق بالعبادات أو الأذكار أو بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وقد قال الإمام النووي- رحمه الله- (وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به) «١» . ويقصد- رحمه الله بقوله: إشاعة الاستدلال به: أن يكون دليلا على بطلان وردّ كل أمر يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلّم وأقول أخي القارئ: إذا كان كل عمل نعمله ليس موافقا للكتاب أو السنة هو عمل مردود مذموم شرعا، فلماذا نجهد أنفسنا ونضيع أوقاتنا في عبادات (بل طقوس) تباعدنا عن الله وتبغّض فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لماذا نقيم ما يسمونه بالحضرة المحدية، وهي ليست من الدين في شيء، وقد انتهت العصور الثلاثة المفضلة ولم تظهر تلك البدعة، التي يدّعون فيها أن النبي صلى الله عليه وسلّم يحضرها، وهذا تنقّص بالغ في حقه صلى الله عليه وسلّم لمن تدبر وعلم رفيع قدره صلى الله عليه وسلّم، لماذا نخترع أورادا نتقرب بها إلى الله- سبحانه وتعالى- وفيها من الألفاظ والعبارات والمديح ما لم يعلّمناه النبي صلى الله عليه وسلّم ونحدد أوقاتا ومواسم لتلك الأوراد لم يرد الشرع بتحديدها وكيفياتها؟ لماذا نعبد الله عزّ وجلّ بأسماء نخترعها نحن من عند أنفسنا، مثل (هو، هو) ونعتقد أن هذا هو أعظم أسمائه- سبحانه وتعالى-، ونلتزم بذكر هذا الاسم بعدد معين وفي أوقات معينة؟، أقول- على سبيل الفرض- لو أنه ثبت لنا بالدليل الصحيح أن هذا الضمير هو اسم من أسماء الله الحسنى، ولم يأت دليل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلّم قد علم أصحابه الكرام ذكر الله عزّ وجلّ بهذا الاسم وعلى هذه الطريقة المبتدعة، ما جاز لنا شرعا اتخاذ هذه الأوراد بهذه الكيفية، كيف والحال أنه لم يثبت أصلا أنه اسم من أسماء الله الحسنى.

وتدبر أخي القارئ كيف رتب الإمام البخاري «٢» - رحمه الله- حكما عظيما على حديث الباب فقد قال- رحمه الله- باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطا خلاف الرسول صلى الله عليه وسلّم من غير علم فحكمه مردود لقول النبي صلى الله عليه وسلّم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو ردّ» «٣» ، وقد نقل صاحب الفتح عن ابن بطال- في شرح هذا الحديث- قوله:

(مراده- أي مراد البخاري- أن الحاكم بغير السنة جهلا أو غلطا يجب عليه الرجوع إلى حكم السنة وترك ما خالفها امتثالا لأمر الله- تعالى- بإيجاب طاعة رسوله صلى الله عليه وسلّم وهذا هو نفس الاعتصام بالسنة) «٤» .


(١) انظر «شرح النووي على صحيح مسلم» (١٢/ ١٦) .
(٢) انظر «فتح الباري» ص (١٣/ ٣١٧) .
(٣) سبق تخريجه.
(٤) انظر «فتح الباري» (١٣/ ٣١٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>