من استحضار النية وخشوع القلب؛ لقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: ٢] ، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها ذكر الله؛ لأنها توجّه إليه بالدعاء.
كما يشترط في هذه العبادة العظيمة الاتباع وتبطل بالابتداع، والاتباع فيها هو التقيد بالصيغ التي وردت في كيفية الصلاة عليه، ومن أتم هذه الصيغ، ما رواه الشيخان، عن أبي حميد السّاعديّ أنّهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلّي عليك؟ قال:«قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وأزواجه وذرّيّته، كما صلّيت على آل إبراهيم وبارك على محمّد وأزواجه وذرّيّته كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد»«١» .
ومن مظاهر الابتداع في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يفعله بعض العوام من التمايل والرقص ودق الطبول والمزامير ورفع الصوت بالصلاة عاليا، وعندما يخرجهم الشيطان من دائرة الوعي، يقولون: إنه الجذب، ويطلقون كلاما ما أنزل الله به من سلطان، وأنا لا أنكر أنهم فعلا يخرجون من دائرة الوعي، ولكن الذي يخرجهم هو الشيطان، ودليله أنهم يفعلون عبادة لا يتبعون فيها هديا من كتاب أو سنة، وأقول لهم: أأنتم أشد حبّا للنبي صلّى الله عليه وسلّم، أم أصحابه رضي الله عنهم؟ إن قلتم: نحن، فقد كذبتم، وإن قلتم: هم، فقد أقمتم الحجة على أنفسكم، لأنهم ما كانوا يذكرونه بهذه الطريقة، وما كانوا يخرجون عن الوعي.
هذا بالإضافة إلى ما يحدث في مجالس هذه الأذكار من اختلاط بين الرجال والنساء، وأكثر من ذلك مما يعف اللسان عن ذكره، وكذا إثبات بعض الصفات للنبي صلّى الله عليه وسلّم التي لم يثبتها لنفسه؛ لأنها صفات لا تنبغي إلا لله- عز وجل- ويا ليت من يقوم بهذه الأعمال، التي يظن أنه يتقرب بها إلى الله- سبحانه وتعالى-، قد حرم الأجر فحسب- وإن كانت هذه مصيبة وحدها- ولكن المصيبة الأعظم أنه لن يسلم من وزر ما فعل، وهو يتفاوت في درجته من معصية الابتداع والاختلاط إلى الشرك بالله العلي العظيم إذا نسب للنبي أنه يعلم الغيب أو يعتقد أن بيده النفع والضر، أو أنه معنا حيث نكون يسمعنا ويرانا، ويرضى أو يحزن على أفعالنا وأن الله ما خلق الخلق إلا من أجله إلى غير ذلك من البواطل الفواقر.
هيا أخي المسلم نتوب إلى الله- عز وجل- ونقلع عن كل ما يخالف الكتاب وسنة الحبيب صلّى الله عليه وسلّم ونتمسك بخير الهدي وأكمله، هدي محمد صلّى الله عليه وسلّم فما وجدناه صحيحا صريحا في
(١) البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، برقم (٣٣٦٩) ، ومسلم، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، برقم (٤٠٧) .