وبالتسمية يبارك الله- سبحانه وتعالى- أي عمل، وبدونها تنزع البركة من أي عمل، بل بها يحل لنا الأكل من الذبائح، وعند تركها عمدا تأخذ الذبيحة حكم الميتة، فيحرم الأكل منها، فاحرص أخي المسلم أن تبدأ كل عمل لك بتسمية الله، واعلم أنك إذا سميت بهذا اللفظ، فقد سميت بكل اسم لله- تبارك وتعالى- لأن لفظ (باسم) نكرة مضاف، فيشمل كل اسم لله تعالى، وكفى بذلك ترغيبا في البسملة.
٣- السنة، حسب رأي الجمهور، أن يبتدئ كاتب الكتاب باسمه قبل اسم المرسل إليه، فيقول: من فلان بن فلان إلى فلان، والأرجح إذا كان المرسل إليه من أهل العلم والصلاح، أن نبدأ باسمه توقيرا له وعرفانا بفضله، قال الإمام ابن حجر:(فيه أن السنة أن يبدأ الكتاب بنفسه)«١» .
٤- من قوله صلّى الله عليه وسلّم:«من محمد رسول الله» ، علمنا أن «رسول الله» أصبحت علما له صلّى الله عليه وسلّم وإلا لقال: من محمد بن عبد الله، خاصة أنه يرسل إلى ملك لا يؤمن به ولا يعرفه، وعلمنا أيضا أن صفة الرسالة ألصق به من نسبه، وأن ذلك أولى- أي أنه يدعى بصفة الرسالة- بل أوجب عند ذكره، وقد ذكرت في موضع آخر سوء أدب من يقول:(محمد بن عبد الله) ، فالأدب الأدب مع مقام النبوة والرسالة.
٥- في قوله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل:«عظيم الروم» ، التلطف مع من تدعوه إلى الإسلام، فلم يكتب اسمه مجردا من الألقاب، بل قال: عظيم الروم؛ لأنه إذا حقر أمره، قد يحقر المرسل إليه أمر الكتاب، وما جاء فيه، وقد يتعدى ويسب الإسلام وهذه مفسدة، وقد نهينا عن ذلك، في قوله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: من الآية ١٠٨] .
فإذا كان سب الكفار مصلحة، إلا أن سب الله- تبارك وتعالى- مفسدة عظيمة، وأي مفسدة أعظم منها!، وعندنا قاعدة عظيمة، أن درأ المفاسد أولى من جلب المنافع.
ولم يقل النبي صلّى الله عليه وسلّم:(إلى هرقل ملك الروم) ؛ لأن ملكه غير شرعي، لم يوله الله- تبارك وتعالى- كما أنه لم يقل: إلى هرقل العظيم بل نسب عظمته إلى الروم فقط، حتى لا يثبت له العظمة المطلقة، بل قيد اللفظ، وهذا الكلام يفهمه أمثال هرقل جيدا، يصدق ذلك قوله تعالى على لسان الخليل إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ